بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
اللهم صل علي محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
كان هدف السبط الشهيد أن يكون من أبناء الأمّة رجالاً يدافعون عن الحق أمام يزيد وطغيانه، ويستعدون للشهادة في سبيل الله، بل يجعلون هذه الشهادة هدفهم الأوّل، فكانت السيدة زينب عليها السلام الشاهدة على نهضة السبط الشهيد والحاملة لرسالتها إلى الآفاق، ولأن النهضة أساساً كانت تهدف بعث زلزال في الضمائر. فإن دم الشهداء كان سيذهب سدى من دون دور الشاهدة العظيمة زينب (ع)، ودور الشاهدين الآخرين معها.[٢٩]
وكانت باكورة ذلك لما سقط الإمام الحسين عليه السلام على الأرض في عصر العاشر من المحرم حيث خرجت (ع) من باب الخيمة نحو الميدان، ثم وجهت كلامها إلى عمر بن سعد، وقالت: «يا بن سعد! أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه؟!» فلم يجبها عمر بشيء.[٣٠]
ثم نادت: «وا أخاه، واسيداه، وا أهل بيتاه، ليت السماء أطبقت على الأرض، وليت الجبال تدكدكت على السهل».[٣١]
ولما انتهت إلى جسد أخيها المضرج بالدماء بسطت يديها تحت بدنه المقدس، ورفعته نحو السماء، وقالت: «إلهي تقبَّل منَّا هذا القربان».[٣٢]
وبعد أن انتهت من وداع الجسد الطاهر عادت راجعة إلى المخيم لتتولى مسؤولية الحراسة وإقامة مأتم الشهداء، خاتمةً ليلتها العصيبة تلك بالتهجد إلى ربّها ومناجاته، حتى انبلج عمود الفجر.
فيقول السيّد حسن البغدادي لمثل هذه المشاهد:
يا قلب زينب كم لاقيت من محن؟! فيك الرزايا وكل الصبر قد جمعا
لو كان ما فيك من صبر ومن محن في قلب أقوى جبال الأرض لانصدعا!
يكفيك صبراً قلوب الناس كلهم تفطّرت للذي لاقيته جزعا[٣٣]
موقفها حين قتل الحسين (ع)
ذكر أرباب المقاتل والتاريخ أنها عليها السلام حينما جلست بالقرب من جسد أخيها توجهت نحو المدينة المنورة، وندبت أهلها قائلة: «وا محمّداه! بَناتُكَ سَبايا وذرّيتُك مُقَتّله، تسفي عليهم رِيحُ الصّبا، وهذا حُسينٌ محزوزُ الَّرأسِ مِنَ القَفا، مَسلُوبُ العمامِةِ والرِّداء...».[٣٤]بأبي من عسكره في يوم الإثنين نهبا، بأبي من فسطاطه مقطع العرى، بأبي من لا هو غائب فيرتجى، ولا جريح فيداوى، بأبي من نفسي له الفداء، بأبي المهموم حتى قضى، بأبي العطشان حتى مضى، بأبي من شيبته تقطر بالدماء.[٣٥] فأبكت والله كلّ عدو وصديق.[٣٦]
السيدة زينب (س) في الكوفة
لما وضعت الحرب أوزارها سيق من بقي من النساء والأطفال والعيال أسارى إلى الكوفة وهم في حالة يرزى لها، وما إن وصلوا إلى الكوفة حتى خطبت السيدة زينب عليها السلام في أهل الكوفة خطبة عظيمة وصفها بشير بن خُزيم الأسدي بقوله: «ونظرت إلى زينب بنت علي (ع) يومئذ، ولم أر خفرة - والله - أنطق منها كأنها تفرع من لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا، فارتدت الأنفاس، وسكنت الأجراس».[٣٧]، ثم قالت: «الحمد لله والصلاة على أبي محمد وآله الطيبين الأخيار أما بعد يا أهل الكوفة يا أهل الختل والغدر أتبكون فلا رقأت الدمعة ولا هدأت الرنة...».