أسيرة الظل 2 Salwa M

5.4K 308 53
                                    

أسيرة الظل
الفصل الثاني

لماذا تسربت السعادة من بين راحتي يداه كما الماء؟ زوجة محبة و طفل قادم سيكون ولياً لعرشه إختفيا كسراب في الصحراء، كلما حاول اللحاق به يبتعد أكثر، و الآن..! لا شيء.. ماتت الحبيبة، و ابنته منها أصبحت أعجوبة يرتعد من مرآها الصغير و الكبير.

جلس الملك على مقعد في حديقة نائية عن قصره، و نظر للسحب العابرة في سماء صباح يوم خريفي دافيء، لتمر ذكرياته مرور تلك السُحب البطيئة.. بعد سنتين من وفاة زوجته، إضطر للزواج من أخرى، كي تلد له ولياً لعرشه و تكون أماً لابنته، لكن لم تجري الرياح كما تشتهي السفن، فالزوجة الثانية لم تستطع الإنجاب طيلة مدة زواجه بها و التي وصلت لتسعة عشر شهراً، و لم تكن أماً ثانية لابنته، لأنها كانت تصرخ في فزع كلما رأتها، فأنفصل عنها، و أعادها لأهلها، و تزوج بغيرها، و غيرها، و غيرها، إلا أن نفس الشيء تكرر مع كل الأخريات. جميعهن كن يخشين أن يلدن من الملك طفلاً أخر يحمل نفس ملامح ابنته، و أن يمتن أثناء الولادة كما حدث لزوجته، فكانت كل واحدة منهن تتناول أعشاباً تمنع حملها كلما جامعها الملك.

علم بهذا الأمر صدفة، عندما سمع زوجته الأخيرة تحادث أمها التي جاءت لزيارتها بالأمر، دون أن تدري أيٌّ منهما نه كان ماراً جوار شرفة الغرفة بالطابق الأرضي حيث كانا يجلسان. ساعتها أخذ يضحك، ثم بكى رثاءاً لحاله و حال ابنته. لم يحب أحد بعد زوجته الأولى. الأخريات كن مجرد أجساد يجامعها ليحصل على ولي لعرشه.. كان يذهب للفراش مع كل واحدة منهن لقضاء واجب عليه، لا شعور بالدفيء.. بالحب.. و لا بالحنان، و كأنه جثة تتحرك لتلتحم بجسد بارد، لبرهة من الوقت، ما يلبث بعدها أن يشعر بالفراغ.. بالتبلد.. بأنه خسر جزءاً من ذاته القديمة، حتى أصبح شخصاً لا يعرف نفسه.

أما عن الطفلة،فقد خصص خادمة كانت مخلصة لزوجته الأولى، كي تعتني بها. رغم إعتراضها في باديء الأمر خوفاً، إلا أنه أجزل لها العطاء، و أخذ يذكرها أنها صغيرة الملكة التي كانت تخدمها بمحبة و إخلاص، فرضخت، و بمرور الوقت إعتادت على الصغيرة. تلك الصغيرة التي كان يتجاهل وجودها، و يشعر نحوها باللامبالاة، إلا أنه رأى الخادمة تحملها يوماً لتوقف بكاءها، فلم تستطع. حينها وقفت عند نافذة الكوخ تهدهدها، لكن الطفلة ظلت تصرخ. سمع البكاء يرن في أذنيه، و هو في قصره رغم بعد المسافه، فوجد نفسه على صهوة جواده يعدو به نحو تلك الحديقة ذات مساء، و كأن شيئاً خفياً يناديه. إرتجل عن صهوة الجواد، و ذهب مسرعاً للكوخ ظناً منه أن الخادمة قد تركت الرضيعة بمفردها، و هربت خائفة، لكنه فوجيء بالمرأة تحملها و تحاول إسكاتها، فلم تفلح. ساعتها إقترب من ابنته، و حاول حملها من الخادمة، فنظرت له الطفلة التي لم تتم عامها الأول، و سكتت فجأة، لتمد كفها الصغير و تلمس لحيته بأناملها الرقيقة و تبتسم في براءة.

في تلك اللحظة، نظر إليها، و أخذ يتمعن ملامحها، فازدادت دقات قلبه حين رآها تنظر إليه باسمة. لما يخشاها الجميع؟ إنها دقيقة التقاطيع، ذات وجه يشبه القلب، و شعرها غزير فضي اللون، و عيناها باسمتان دائماً. لولا لون العينين الأزرق الشاحب و تلك الرموش الكثيفة الفضية، لقال أنها ورثت عن أمها عينيها، لكن ابنته كانت النقيض من كل شيء إعتاد عليه هو و شعبه، ستظل غريبة في أعينهم، و سيظل في نظرهم لآخر عمره مصاباً بلعنة موت زوجته الحبيبة و ابنته العجيبة، لولا أنه الملك لنبذوه هو الأخر. هو نفسه كان مثلهم.. يفكر بنفس طريقتهم، حتى كاد أن يتخلص منها يوماً.

أسيرة الظلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن