أسيرة الظل Salwa M 7

3.3K 231 22
                                    

أسيرة الظل
الفصل السابع
قفزت بلا أدنى تردد، فالموت أهون عليها من الأسر، و لكنها عاشت طيلة حياتها أسيرة.. لنظرات الناس.. لظل يبعدها عن حرارة الشمس اللافحة.. لعزلة أُجبرت عليها عندما تحاشاها الجميع. جاءت صورة وجه أبيها لذهنها قبل أن تهبط في لمح البصر لأحضان الموج، لتختلط دمعة فرت من عينيها للذكرى الحزينة بماء البحر المالح . استمر هبوطها للقاع، حيث أصبح الهواء حلماً صعب المنال  تتمناه كل خلاياها.. لا تعرف السباحة، و لا طائل من محاولات خرقاء لتجاهد بإستماتة للصعود للسطح مرة أخرى، فأغمضت عينيها مستسلمة لنهاية محتومة، فلتمت حرة، فذلك خير لها من أن تظل عبدة أسيرة لكل القيود التي أحاطت بها. بدأ وعيها يغيب، مرحباً بالموت القادم ببطئ مؤلم.. مرحباً براحة تبطل ظلم الدنيا لها.

فجأة.. يد تنتشلها من غيابات ظلام الماء.. "الشمس.. أبعدوا ذلك الضوء القاسي.. دعوني أموت.. إتركوني بسلام!!!! أبي!!!!" تهب فزعة من رقدتها، لتجد زعيم القراصنة ينظر إليها و بيده مصباح كبير، فقد صار الوقت ليلاً .. نظرت حولها، فوجدت نفسها في مكان غير قمرتها، تنام على فراش حقير، مرتدية ملابساً جافة لصبي أكبر منها سناً، و حجماً، فجال رودريجو بخاطرها، و شعرت بالإشمئزاز من تلك الملابس، كادت تمزقها، فسمعت الزعيم يقول لها، " لا توجد سوى هذه الملابس، إن شئت أن تقضي باقي الرحلة عارية، فليكن!" صاحت به، " ما الذي تريده مني، أيها الشرير؟"
" شرير! من؟ أنا!!!! بدلاً من شكري على إنقاذ حياتك، يالأخلاق الأميرات!"
" إن من له أخلاق الجرذان، يجب أن يعامل بما تستحقه الجرذان! من قال لك أنني أود أن ينقذني أحد؟"
"لن أخسر صفقة العمر بسبب فتاة مدللة، ثم من يراكِ و أنت تصيحين هكذا، لن يستوعب دموعك و أنت فاقدة الوعي طيلة يوم كامل، و همهمتك ب 'أبي.. إنقذني يا أبي.. لا أريد الموت!!' و جمل أخرى ظللتِ تهمسين بها باكية رغم أنك كنت في عالم أخر، و .."
" إخرس أيها اللص!!"
" إسمعي يا فتاة! إن عصيتني سيكون عقابك وخيماً. أنصتي إلي! إن بيعك في هذه السن الصغيرة، لن يؤتي ثماره، و لا أظن أن مساومتي لوالدك و للملك ستعود علي بفائدة، بل على العكس، ستأتي سفن إسبانيا الملكية كافة لتتبع أثري في البر و البحر، لذا يا عزيزتي الجميلة، سأتركك في رعاية امرأة أعرفها تعيش مع قبائل الغجر، ستعلمك الرقص، و الغناء، و تلك المهارات ستحتاجينها لأجل مستقبلك المبهر الذي أخططه لكِ.. هاهاهاهاهاها!!!"
"أيها الجرذ!! أيها اللعين!! مت أيها الشرير!!!!!"

غادر القرصان القمرة، و هو يضحك ساخراً من هجوم لُجين الطفولي، فقد أخذت تقذفه بكل شيء طالته يداها.. أنهكها التعب، بعد أن ظلت تصيح حتى بعد مغادرته، غرس اليأس أنيابه في قلبها، و حام الحزن حولها كالنسور حول الفريسة، بدأت دموع الحزن في التساقط على وجنتيها الناعمتين، و هي تهمس في شجن، " أين أنت يا أبي؟" بكت تلك الليلة حتى غلبها النوم، لترى في أحلامها وجه أبيها باكياً، و هو يمسك برسالة بين يديه. حاولت مواساته، لكنه لم يراها، و ظل يبكي رغم أنه كان يقف أمامها في الحلم.

أسيرة الظلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن