|part.1|

68 8 21
                                    

" في عالمي الأسودِ المُظلم ، كُنتِ النُّقطَةَ البَيضاءَ فيه ، أتَزيدينهُ بياضاً ، أم تترُكيهِ ليختفي .. ؟! "
.
.
.
أحاطَ ذلكَ الضَّبابُ الكثيفُ أحياءَ مدينةِ " لندن " ، وكعادةِ الأجواءِ كُل شتاءٍ فالجوُّ ثقيل ، وهدوءٌ باردٌ يُخيِّمٌ على المَكـانِ إلَّا من صوتِ دقدقةِ حَدواتِ الأحصِنة على الأرضيَّات الرَّطبة بفعلِ المـطَر الذي انتهى انهمارُهُ للتَّو.

كانَ حيُّ " ايزلورث " الرَّاقي هادِئاً كعادَتِهِ ، لا أصواتَ تشوبُه ولا صخبٌ طفيفٌ يُعيقُ بروده ، فهُو الحيُّ الوحيدُ الذي يخلو من أغلبِ مظاهر المُتعة .. محلَّات ، عائلات مع أطفالِهم أو حتى أكشاك نشيطة ، يمضي اليومُ بينَما لم يدخُل أو يخرُج منه إلا سُكَّانهُ القليلون.

لـسُكَّان حيّ " ايزلورث " علامةٌ مميزةٌ جداً ، فهُم هادئون ، باردون ، يمتلكُون وُجوهاً ثابتةً أشبهَ بالجَلاميد ، يكادُ يُسمعُ صوتُهم ، وستكونُ محظوظاً حقاً لو حظيتَ بحديثٍ كاملٍ مع أحدِهم !

" أليكس ، لقد رتَّبتُ ذلك اللِّقاء الخاصّ بالسِّياسي الكَبير دوجلاس روس ، أخبَرتني أنَّهُ ترتيبٌ مهمّ , أتذكُر .. ؟ "
قالَها ماركوس باحترام ، مُديرُ أعمال ألِيكس الموثوق وصديقُهُ المُقرَّب.

" نعَـم ، أحتاجُ لهذا اللِّقاء كَثيراً , مارك ، شُكراً لكَ كالعادة. "
خرجَت كلِماتُه ببرودٍ دافِئ ، يُحاول قدرَ الإمكان أن يكونَ طبيعيَّاً مع صديقِه ، المسكينُ نسيَ كيفَ يكونُ طبيعياً منذُ زمن ، لكنَّـهُ لا يُمكن أن يفرِّط بشُكرٍ صغيرٍ لتِلك الأيَّام الطَّويلةِ التي قَضاها صديقُهُ خارجاً في البردِ القارِص يُدبِّر لهُ اللِّقاءات.

" لا تقُل هذا ، تعرفُ أنَّني مُستعدٌّ لمساعدتِكَ حتَّى المَمات ، فَقط كُن سعيداً وبِخيرٍ دائماً. "
تمتمَ بِهـا بودّ ، بينما لا يزالُ مُحافظاً على رسميَّتهِ الطَّبيعيَّة -منذُ ولد- ، فهذا مهمٌّ في رأيِه حتى مع الأصدِقاء.

" أثقُ بكَ دائماً ، رُبما فقط عليكَ تنحية الألقابِ والتحدُّث بتلقائيةٍ أكثَر."
كانَ أليكس يُحاول المزاحَ مع صَديقه ، غير مدركٍ أنَّ الأخيرَ يتحدَّث بتلقائيةٍ بالفعل.

" تعرفُ أنَّني تلقائيٌ هكذا ، أنا حقاً أُحبّ التحدُّث بهذا الشَّكل ولو كان معك ، صديقي. "

" ليسَت مُشكلة ، هذا ما يَجعلُـكَ مُحترماً من قِبلِ الجَميع ، أنا أُكنُّه لكَ أيضاً ، متى مَوعد اللِّقـاء .. ؟ "

يبتسمُ ماركُوس بعفويَّة ، فصديقُه المقرَّب ، أخوه ، عائلته وكلّ شيءٍ لهُ يُثني عليهِ بصِدق ، لطالَما كان الاثنانِ كيانَين مُختلفَين ، ومع ذلك لا ينفصِلان أبداً ، ماركُوس ، الذي عاشَ طُفولةً صعبةً وجدَ الضَّوء أخيراً عندما ساعدهُ والدُ أليكس وانتشلَهُ بيدٍ رحيمةٍ من ظلام الشَّوارع ، وبراثِن الفَقر ، ليُعيد ولادتهُ من جديدٍ بقلبٍ مُطمئِنٍّ ونفسٍ راضيةٍ عن الحَياة ، فقد أصبح على ما هُو عليه الآن بعد أن صقَل قلبهُ المملوءَ بالمآسي سابِقاً ، بينما ، أليكس صديقه ، عكسه تماماً ، كان يعيشُ في الضوء وفقدهُ فجأةً ليولدَ من جَديد في ظلامٍ سرمديّ ، ويدفن نفسَه في صندوقٍ أسودٍ خانق ، لا زال يُحاول انتشالهُ منه علَّهُ يفي ببعضِ دينه لوالده المتوفّى ، لكنَّ الأمور أصعب ممَّا يتخيَّلها أيّ إنسان.

" أليكس ، بخُصوص السِّياسيّ دوجلاس ، ما الذي تَنوي عليهِ ؟ "
تساءَل ماركوس بجدِّية.

" أنتَ تعرفُ جيداً ما الذي أنوي عليهِ مارك ، ذلك الرَّجُل سيعودُ جُـثةً إلى مَنزِلِه اليوم. "
قالَها أليكس بجُمود ، ليتنَهَّـد ماركوس بخفَّة وقلق.

" أخافُ أن تكتشِفَ الشُّرطةُ أمركَ يوماً ما أليكس ، عندها بالتأكيدِ سيتمُّ إعدامُك ، فأنت قتلتَ سبعةَ عشرَ سياسيَّـاً مرموقاً حتى الآن ولا زالت الشُرطة تبحثُ عن الفاعِل. "

يضحكُ أليكس بسُخريةٍ على كلامِ صديقه :
" مارك ، أتظنُّ الشرطةَ غافلةً عمَّا يحدُث ؟! رجالُ الشرطة ليسوا بهذا الغَباء ، هُم مدركون جيداً أنَّني مُقترف كلّ هذه العمليَّات ، لكن الشُّرطة تهابُ اسم عائِلتي ، وأصبحَت كذلك أكثرَ منذ تلك الحادثة ، أنا لَن أستسلِم ، سأقتُل كل الحُثالة الذين كانوا سبباً في ما حدَث. "
أخرجَ أليكس كلماته بجمودٍ ليستديرَ ماركوس راحلاً ، تبعهُ أليكس الذي التقطَ مِعطفاً شتويَّاً ثَقيـلاً ، وهاتفَ الحارسَ الخاصّ بهِ ليفتح لهُ بوابةَ منزله الرَّاقي بالإضافة إلى تجهيزِ العَربة ، تحسَّس أليكس مُسدَّسهُ الثَّمين في جيبِه وتأكَّد جيداً أنه محشُـوٌّ بالرَّصاص ، ابتسم بجانبيَّةٍ وحقد ، فهُو الآن مُقبلٌ على تخليصِ روحِ السِّياسي " دوجلاس روس " الآثمةِ من جَسَده ، تزامنَت خطواتُ أليكس على الأرضِ الرَّطبة مع صوتِ ساعة " بيج بين " العَريقة ودقِّ جرسِها الهائل ، كانَت تِلكَ بدايةَ ليلةٍ ليسَ لَهـا مَثيل ، ستُغيُّر حياةَ أليكس جُوناثان إلى الأَبد !

- يُتــبع💜 -

أليكسانجيـلآ(متوقفة حالياً)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن