الفصل الرابع

62 11 2
                                    

قرب عتبات البيت المهترئة كأساطير الليل ، كان الذئب يتوسد  الأرض العارية و يلتحف همم الأشجار  الحانية ، منتظرا انتهاء زيارة ليلى من عند جدتها . السماء كانت قانية اللون حمراء كأنها وردة دموية تفجرت إلى أشلاء ، و الطبيعة كانت ساكنة على غير عادتها وهي تنزع فستان النهار و ترتدي لباس الليل ، شيء بجمالها العذري ذكره بفراء أمه و عينيها الدافئتين ، حينها أحس بروحها المرمرية ترفرف حول كأنها تحميه كعادتها ، و بأرواح أهله يرتفعون من الأرض المبتلة بدموع الأحبة نحو الأثير ، حيت سيحكون للنسيم مغامراتهم و قصص بطولاتهم الغابرة . نظر إلى الشمس التي تغادر السماء بحزن  هو يناجي نفسه و يحضن جراحه المتكسرة متالما  :

"مات أهلي جميعا و بقيت وحيدا منفردا و الوحدة قاسية كالموت .

مات أهلي و تركوني أندب و أبكي أرواحهم الهائمة في الأثير ، و أناجي الغيوم لعلها توصل سلامي لأحبتي .

مات أهلي و قضوا بحد السيف أعمارهم و أنا هاهنا أعيش في نكبة صامتة تعجلني حقيرا أمام نفسي و أمام اشباح الليل .

لقد مات أهلي و وافتهم المنية  بسبب جهل البشر و وحشيتهم و ظلمهم . فما الإنسان إلا كائن حقير علم أن الله اصطفاه عن باقي المخلوقات فمضى يعربد في الأرض و يفسد.  و ذهب يبني معابد يعظم فيها أصناما ما هي إلا انعكاس لنفسه الخبيثة ، و نسي أن الله خالقه أحق بالعبادة.  و انطلق يقتل جمال الطبيعة و حسنها و يشوه خلقها و يعتد بأعماله ، لكن ما إن يراها غاضبة  مستيقظة حتى يختبئ في شقوق الأرض و مغاورها ، خوفا على حياته و أجنحة غروره من بطش عواصفها و براكينها  . حبذا لو أن  العواصف العاتية التي تهب من كل حدب و صوب  كسرت أجنحة البشر و هشمت رؤوسهم  لعلهم يتوقفون عن غيهم و يهديهم الله إلى الصراط القويم . "

ثم كف الذئب عن الحديث للحظات مفكرا ،و تنهد و همس واعظا نفسه :

"آه يا قلبي المتوجع اسكت فليس لك من سميع

توقف وعن الشكوى و أنصت فالنسيم مثقل بالنواح و العويل و السماء مرصعة ببقايا الأشلاء و الجثت ، فلا مكان لمعانتك معهم .

اصبر يا قلب و تجلد ، فمن يترقب الصباح صابرا ، يلاقيه قويا، و من يهوى النور خليلا فالنور يهواه حليلا .

فاصمت يا فؤاد و اصغ للحكم المتنقلة بين الاشجار و للأقوال المتطايرة مع الرياح كالأوراق الجافة و هي تتراقص ملتوية .
توقف يا قلب عن النواح و اهدأ ،و دع سكونك يحدث شرخا عميقا في الحياة . فشتان ما بين السكوت الذي يحدث الملل و السكوت الذي يحدثه الألم ، و يا لهول الفرق بين من يكتب بالحبر و من يكتب بدم القلب.

آه يا روحي الصارخة في الفضاء متى سيتوقف النواح ؟ و أيتها العواصف التي تعربد داخلي متى سيتوقف دورانك الذي يحاكي طواف الصوفي في خشوعه  ؟ "

 الذئاب لا تنام حيث تعيش القصص. اكتشف الآن