قرب عتبات البيت المهترئة كأساطير الليل ، كان الذئب يتوسد الأرض العارية و يلتحف همم الأشجار الحانية ، منتظرا انتهاء زيارة ليلى من عند جدتها . السماء كانت قانية اللون حمراء كأنها وردة دموية تفجرت إلى أشلاء ، و الطبيعة كانت ساكنة على غير عادتها وهي تنزع فستان النهار و ترتدي لباس الليل ، شيء بجمالها العذري ذكره بفراء أمه و عينيها الدافئتين ، حينها أحس بروحها المرمرية ترفرف حول كأنها تحميه كعادتها ، و بأرواح أهله يرتفعون من الأرض المبتلة بدموع الأحبة نحو الأثير ، حيت سيحكون للنسيم مغامراتهم و قصص بطولاتهم الغابرة . نظر إلى الشمس التي تغادر السماء بحزن هو يناجي نفسه و يحضن جراحه المتكسرة متالما :
"مات أهلي جميعا و بقيت وحيدا منفردا و الوحدة قاسية كالموت .
مات أهلي و تركوني أندب و أبكي أرواحهم الهائمة في الأثير ، و أناجي الغيوم لعلها توصل سلامي لأحبتي .
مات أهلي و قضوا بحد السيف أعمارهم و أنا هاهنا أعيش في نكبة صامتة تعجلني حقيرا أمام نفسي و أمام اشباح الليل .
لقد مات أهلي و وافتهم المنية بسبب جهل البشر و وحشيتهم و ظلمهم . فما الإنسان إلا كائن حقير علم أن الله اصطفاه عن باقي المخلوقات فمضى يعربد في الأرض و يفسد. و ذهب يبني معابد يعظم فيها أصناما ما هي إلا انعكاس لنفسه الخبيثة ، و نسي أن الله خالقه أحق بالعبادة. و انطلق يقتل جمال الطبيعة و حسنها و يشوه خلقها و يعتد بأعماله ، لكن ما إن يراها غاضبة مستيقظة حتى يختبئ في شقوق الأرض و مغاورها ، خوفا على حياته و أجنحة غروره من بطش عواصفها و براكينها . حبذا لو أن العواصف العاتية التي تهب من كل حدب و صوب كسرت أجنحة البشر و هشمت رؤوسهم لعلهم يتوقفون عن غيهم و يهديهم الله إلى الصراط القويم . "
ثم كف الذئب عن الحديث للحظات مفكرا ،و تنهد و همس واعظا نفسه :
"آه يا قلبي المتوجع اسكت فليس لك من سميع
توقف وعن الشكوى و أنصت فالنسيم مثقل بالنواح و العويل و السماء مرصعة ببقايا الأشلاء و الجثت ، فلا مكان لمعانتك معهم .
اصبر يا قلب و تجلد ، فمن يترقب الصباح صابرا ، يلاقيه قويا، و من يهوى النور خليلا فالنور يهواه حليلا .
فاصمت يا فؤاد و اصغ للحكم المتنقلة بين الاشجار و للأقوال المتطايرة مع الرياح كالأوراق الجافة و هي تتراقص ملتوية .
توقف يا قلب عن النواح و اهدأ ،و دع سكونك يحدث شرخا عميقا في الحياة . فشتان ما بين السكوت الذي يحدث الملل و السكوت الذي يحدثه الألم ، و يا لهول الفرق بين من يكتب بالحبر و من يكتب بدم القلب.آه يا روحي الصارخة في الفضاء متى سيتوقف النواح ؟ و أيتها العواصف التي تعربد داخلي متى سيتوقف دورانك الذي يحاكي طواف الصوفي في خشوعه ؟ "
أنت تقرأ
الذئاب لا تنام
Historia Cortaمن كان يظن أن الوسن يزور الذئاب و يحملها إلى مملكة السلام و الهدوء فهو مخطئ. الذئاب لا تنام، هي تختبئ خلف سجف الظلام بين أساطير الليل بحثا عن ضحية جديدة، و أعينها الهامسة و المضيئة تلمع كنذير شؤم في صدر السواد . احذري يا بنيتي من عويل الذئاب إذا و...