في الظلام..
دق جرس المنبه للساعة السادسة صباحاً...
استيقذ في كسل و اغلق المنبه و نظر الي النافذة التي لايأتي منها الا ضوء ضعيف متسلل من الستائر...رفع عنه الغطاء ، قام وجلس علي حافة السرير.. شعر بالبرودة التي سرت في جسده الذي لم يفقد بعد دفئ النوم...
لبس رداءه وازاح الشتائر عن النافذة المغطاه ببخار بنقاط المطر..
الجو ممطر و يملؤه الضباب... يبدو انه سيكون يوما بارداً و هادئا...استعادت ذاكرته احداثاً مرت علي عيناه سريعاً...
احداث لطالما حاول جاهداً ان ينساها او يمحوها من عقله...اغلق الستائر و دخل الي الحمام...
اخذ حماماً من الماء البارد كعادته... لا يهتم الي الطقس عند الاستحمام..خرج وارتدي ملابسه المفضلة.. وكأنه يقدس ذلك الطقس..
قميص وبنطال اسودان ، رداء ثقيل من اللون الاحمر الدموي الممزوج بالاسود.. و اخيراً الحذاء الثقيل ..نزل سريعاً ... صحيح انه لازال الوقت مبكراً علي الذهاب الي العمل..
ولكنه الطقس الذي يجعله دائما يحب السير في الشوارع الي العمل...
كأنه ينتظر صدفة ما تعيد الدفئ اليه بعد ان فقده منذ سنوات ليست قليلة ..مازالت مشيته سريعة لم تتغير منذ صغره ...
استمر في السير و هو ينظر حوله كأنه يطالع الوجوه والاماكن حوله...الشوارع مليئة بالذاهبين الي اعمالهم ودراستهم... و لكن الاجواء صامته... ورغم الازدحام الشوارع خالية...
وقف في احد الميادين امام احد المقاهي و طلب كوباً من القهوة الساخنة... التي لم ينتظرها كثيراً و اخذها وانصرف... واكمل مسيرته...
وما زال ينظر حوله كأنه يبحث عن تلك الصدفة التائهة...
اقترب وقت حضوره في العمل...
وقف مكانه و نظر الي الساحة و هو يحتسي القهوة و طأطأ رأسه في شعور بخيبة الامل وكالعادة يسأل نفسه عن هذه الحماقة التي يرتكبها كل سنة في نفس التوقيت والطقس والمكان...الي متي سيعيش علي امل هذه الافكار الغبية التي لا تغادر رأسه ويحن اليها كل حين بدون عقل...
انطلق متجهاً الي موقف انتظار الحافلة التي ستقله الي العمل...
ومازال نظره معلقاً بتلك النقطة التي كان يقف فيها...
و كأنه ينتظر طيفاً من ذلك الشبح الذي غادر حياته منذ اعوام...المطر يزداد غزارة... و تأتي الحافلة و يركبها. ..
وما زالت عيناه تراقب المكان من بعيد...
بدأت الحافلة في التحرك... وما لبث الا ان لمح طيفاً في ذلك المكان يعرف ملامح منه جيداً...اتسعت عيناه و قال في ذهول.. ربما ما ابحث عنه يبحث عني ...
وانطلق كالمجنون الي تلك النقطة و قفز من الحافلة راكضاً نحو تلك الواقفة هنالك...
وما ان اقترب حتي هدأ من الركض الي المشي و اقترب اليها ونظر اليها....
نظرت اليه وضحكت ضحكة هادئة وقالت واخيراً انت هنا...
نظر اليها وابتسم ..قالت : ربما كما قلت... يوماً ما سوف نلتقي من جديد...
ولكن لكل قلب ما يحتوي من روايات...قال : و قد جاء وقت البوح بها...
و امسك يدها و انطلقا... وكأن الحياة عادت كما لم تكن..
وكأن برد الشتاء اصبح دفئاً رغم قساوته...تمت