(١)
ابتسامة ساحرة ترتديها كل صباح بعد أن تكنس الحزن و الوحدة من على رفوف الصمت المطبق في جدران منزلها ، تعد فنجانين من القهوة و تضع وسادتين على الأريكة ، تمشط شعرها البني و ترشق قطرات العطر في الأنحاء و تجلس بكامل أناقتها لتحتسي القهوة مع أحد ما غير موجود و يبقى الفنجان الآخر حتى المساء كما هو ، لم و لن يشربه أحد ..
تتصاعد عند السابعة صباحاً موسيقا الراديو من بيت جارتها العجوز كما في كل يوم ، تمسك حقيبتها و تتأهب للرحيل إلى العمل ، تذهب سيراً و تقطف ياسمينة في منتصف الشارع ، تنظر إلى السماء دوماً و تتخيل نفسها طائراً تلتقط لحظات السعادة الهاربة من حياتها و تضمها في مشهد واحد و تتخيل لو أنها تجمع شتات أحبابها الأحياء منهم و الأموات و تضمهم جميعاً إلى صدرها و تقبلهم و تمنعهم من الرحيل ..
تتابع السير و تصل إلى مكان عملها و تلقي التحية على كل من تراه بالحرارة و اللهفة ذاتها بدءاً من عامل النظافة و انتهاء بالمدير .. يحبها الجميع و يحسدونها على تلك اللامبالاة التي تجعلها تمضي أيامها كلها و هي ضاحكة .. أما هي فأقسم أنها مدينة يصعب غزوها ، عندها حصن منيع ضد استجداء الشفقة من الآخرين يجعل من يراها لا يحس بأي حزن أو ضعف أو ألم تعاني منه و هكذا هي المرأة عندما تتخلى عنها الحياة ، لا تستسلم بل تصنع حياة أخرى أكثر ملائمة للظروف التي وضعت بها ،..
الله خلق في المرأة قوة كامنة تجابه صناديد الرجال مثل تلك التي تضمد جراح مريض أو تقف لساعات تجري عملية جراحية و لا تمنعها الأمومة من أن تعد الطعام لأولادها أو تغسل لهم ثيابهم حين ترجع إلى منزلها و هي في قمة الإنهاك النفسي و الجسدي أما نحن الرجال فنلصق أرجلنا بسقف المنزل متمددين على الأريكة باستسلام بعد يوم عمل غير مبالين بأحد ..