الفصل الثاني:ماضي لا يُنسي.

140 4 0
                                    

احمد-
لا أدري لماذا جَمُدت قدماي عند وقوفي عند بداية باب عيادتها؟
اشعر بأن ثقل يُحَمِلُ علي جسدي ولا أكاد أُحرك قدمي حتي أقف ثانية، وكأنها تشبثت في الأرض نافية تحركها خطوة أخري للأمام وكأنها تحسب انني سأصحبها للهلاك..
إستجمعت ما تبقي من قواي و أخذت نفسا عميقا ودخلت ، لا ادري هل دخلت عيادة طبيب ام محلا للزهور في مدينة فارهة؟...
إنتظرت في الدور و انا لا ادري  مما انا خائف، أو أنني أدري! ماذا علي ان اقول او ان افعل؟ ماذا سيكون رد فعلها عندما تراني مرة اخري؟ ماذا ستقول لرؤيتها من حطمها وجعل حطامها رمادا وتركها بلا شفقة؟
لا ألوم نفسي فقط،ففي قضيتي كلانا متعادل وكلانا مذنب..
أكاد أراهن علي حياتي أنها لاتزال تحبني..ولكنك لا يمكنك ان تعرف قلب المرأة؛فواحدة قد تكون  هائمة حالمة بك و بحبك وعندما تراك مقبلا تنصرف محدثة لصديقك،وآخري لا تباددلك عاطفة ولا عطفا ثم تظهر لك اهتماما واسعا بك كلما هممت بالانصراف..واحداهن قد تكون رقيقة ودائمة الضحك والمرح ولها قلب ينبض بالحب والتحطيم والندم...
ولك ان تتخيل يا صديقي ان حبيبتي بها فوق تلك الأحاجي أحاجآ، لن تعرف ابدا من أين تبدأ او الي اين عليك الوصول..
ظل قلبي يخفق وكأنه يريد ان يغادر ضلوعي هربا من كل ذلك الشجار بينه و بين عقلي..ياليتني حقا قد  مهدت لما اريد أن اقرره هنا،لا أدري ما الذي انا مقبل عليه ولا ماذا سيحدث..
الفتاه التي علمتني كيف يكون الحب هي ذاتها من نفذت قواي وانا أفكر بها فقط!
...
لم يطل انتظاري فى دقائق خرجت فتاة حسناء مبتسمه ومن ثم دخلت انا،أقسم انني لم أذق هذا الشعور في حياتي أبداً!
وكأن جسدي قد عادت إليه روحه مجددا لتحييه..
منذ لحظة دخولي أثرني شذاها و جمال الغرفه!
كانت كأنها غرفة لملك في أحد القصور العريقة!
هذا هو فعلا أحق مكان بوجودها فيه..تلك الموسيقي الكلاسيكية مع الأثاث المذهب المتناغم مع الأسود..والإضائة الخافته التي اضافت هدوئا و دفئا علي نفسي! وتلك المكتبة الكبيرة المملوئة بالكتب! و شهاداتها المعلقة علي الحائط واللوحات الأثريه.. كله متجانس بعضه البعض ليمثل تحفة فنية لم يشاهدها إنسان قط!
اعلم ان من المألوف جدا وجود مكان مثل هذا بدول الخارج،،لكن هنا و بهذا الجمال؟ لم أشهده يوما..
وكل ذلك يكمله وجودها وراء مكتبها إثر نظرة سريعا نظرتها إلي كالقطة التي إختطفت قطعة خبز وفرت!
رحبت بي و بدأنا نتحدث وانا لم اشيح نظري عن عينها للحظه..
ذلك الشعر المنسدل و الخدان الممتلئان و لونها القمحي و عيناها البنيتان واحمر شفاهها المائل للون الفراولة..كله لا استطيع إشاحه نظري عنه بسهولة..
بدأت تؤدي عملها كطبيبة و تسرد لي الحلول لمشاكلي التي  قمت بخلقها من وحي خيالي..
كانت طبيعية إلي أقصي الحدود و لا يبدو عليها شيئآ من الغرابه..
وإذا وضعت في كلامي شيئا من اللهو أضافت هي الجدية الي الحديث..وكأنه لم تك بيني وبينها أشياء!! ..يوم كنا ولا تسل كيف كنا نتهادي من الهوا ما نشاء..!
أشعر كمثل تائب حديث للخمر وضعت أمامه أفخر القنينات و أغلاها وهو لا حول ولا قوة له..
كنت أحاول مداعبتها بالحديث مرارا ولكن الحزم كان يتملكها،لم تظهر لي شئ أكثر من كونها طبيبة..
وبعد محاولات بدأت تضحك علي ما اقوله وتشاركني مزاحي..كنت اشعر انها تخفي شيئا وعلي وشك الافصاح به لكنها لا تقوي..
أشعر أنني اريد بشدة ان اقف وأسحبها لأعانقها عناقا يدوم الي يوم تبعثون..او ان أصف لها كلمات الحب صفا صفا الي ان تنفذ الكلمات مني
كانت تتعثلم بالحديث و تنزل رأسها خجلا كلما ضحكت لها ،كانت  مثلما تعودت عليها ان تكون،مرحة ولا تستطيع ان تظل جاده في الحوار طوال الحديث..
وجدتها تسألني إن كنت اريد قهوة ام لا فوافقت،نهضت لتأتي بهاتفها لتتصل بشخص ما ليأتي بالقهوة أعتقد ..فنظرت مجددا بإندهاش و إستغراب مجددا الي الغرفه وانا اتأمل في مكتبتها إلي أن لاحظتُ شئً غريبا! .. نهضت واقتربت الي المكتبة ببطئ وإذا بدموعي تفضحني بعدما كنت متماسكا كالصخر ..لم أشأ ان تلاحظ هي ذلك فإستدرت وذهبت إلي مقعدي لأ أُصدق ما رأيت ولكني أُحاول التماسك.
....
-نهلة عبد الحميد-

حسناً فالتهدأ ايها الرأس! انه ليس هو..مجرد تشابه..
قطع تصادم افكاري بضحكته قائلا:إذا بالك مشغول انهارده يا دكتوره انا ممكن امشي انهاردة واجي اي يوم تاني،مش مستعجل
إنتبهت إلي الموقف ثم بدأت أتمالك ما بقي لي من من قوة مُجيبة : لا مافيش داعي! انا معاك أهو..
وجدت علي وجهه نظرة إستغراب ولكنه أسرع بإخفائها ثم قال:انا أحمد..
لا يُعقل أن هذا ليس بحلم؟ لقد قالها وشعرت انني أسقط إلي اللا نهاية..إبتسمت ثم قلت له: إيه المشكلة اللي خلتك تلجأ لطبيب نفسي؟
وجدته قد ابتسم و فكر قليلآ ثم قال:بصراحة جيت عشان كذا مشكله، واختارت حضرتك لأني سمعت قد ايه انتي دكتورة شاطرة في حل المشاكل"..ثم ضحك و نظر مطولا إلي عيني..
فصرفت نظري عنه ثم قلت: انا لسه راجعة مصر من كام شهر بس.. لحقت اتشهر؟ ، عموما يا احمد اتفضل احكيلي..مالك بقي؟"
ظل أحمد يحكي عن مشاكل عاديه و أظن أن معظمها من وحي خياله.. وانا بدوري أُقدم له الحلول ثم يُبدي إعجابه بحلولي،... بَقيت منصتة له متشوقة كثيراً لأعرف أكثر عن حياته الشخصية.. وكنه لم يُلبي نداء فضولي..
إنتهي حديثنا ثم وقف و قال: تصدقي إن حكي الناس كان صح؟ وانك شاطرة جدا زي ما قالوا؟ بس للأسف لازم أمشي عشان عندي اجتماع مهم فالشركة و أتأخرت..،كان نفسي أبقي..قصدي اكمل كلام معاكي،مشاكلي يعني بس لو أخرت اكتر من كدا هتشرد!"
قالها و بدأنا في الضحك إلي أن مد يده معلناً رحيله، مددت يدي انا الأخري لأُسلم عليه و إذا بإنتفاضة سرت في جسدي بأكمله للحظات فتمالكت نفسي حتي قال: سلام دلوقتي،هبقي أجي تاني
فجاوبته:وانا موجوده هنا لخدمتك ف اي وقت..سلام.
..
خرج أحمد ودخلت ملايين،بل مليارات المشاعر التي ظننت أني قد أحكمت عليها منذ سنوات..
أُقسم أنني لا أعرف كيف تمالكت أعصابي و لم أنقضّ عليه باكية مُعانقة له عناقاً ينتهي بموت أحدنا؟
ولمذا هو لم يبدو عليه انه قد رآني من قبل حتي!
هل لأنه أحب غيري؟ بالطبع! لا يوجد في كل هذا الكون شخص أحمق يظل منتظراً كل تلك السنين لحب لن يأتي غيري!
مؤكد انه قد تزوج و يُمكن أيضاً ان يكون رُزق بأطفال!
ولكن الغريب أنه لم يذكر هذا في كلامه معي!
هل تذكرني و لم يشأ الافصاح لأنه يظن انني مازلت أكرهه؟
أم انه هو من يكرهني حتي الآن! .. ولكن ان كان يكرهني لم أتي الي هنا و يبدو عليه انه طبيعي؟
لم أعُد أتحمل..
ذهبت الي الحمام ليخرج فجأه كل ما تناولته اليوم من فمي..لا أستطيع الصمود أكثر من هذا..فرغت و قمت بغسل وجهي و خرجت لأشرب بعض القهوة لأهدأ..
..

إِغفِر لِيِ.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن