القسم الحادي عشر

4 0 0
                                    


        لكن الرجل الصغير تكلم بصوت معروف لبيوتر جيداً ، فقال :

                - ((( لا تجهد نفسك يا بيوتر الفحام ، فقد كانت زهرة شفارتسفالد الأروع و الأرق ، لكنك دستها بقدميك و لن تزهر بعد الآن )) .

           فر الدم كله من وجه بيوتر ، و قال :
   
            -(((  آه ، أهذا أنت أيها السيد حارس الكنز ؟ حسناً ، لا يمكن العودة عن عمل اقترف . هذا ما كان مكتوباً لها منذ ولادتها ، و كلي أمل بأنك لن تخبر القضاة بأنني القاتل . أليس كذلك ))) ؟
 
         أجابه الرجل الزجاجي : (( أيها التعس . ما الفائدة التي سأجنيها إذا أرسلت إلى المشنقة قشرتك الفانية ؟ ليس القضاء الدينوي ما يجب  أن تخاف منه ، بل من شيء آخر أكثر هولاً ، هو أنك بعت نفسك لقوى الشر )))) .

      صرخ بيوتر : ((( إذا كنت قد بعت قلبي فأنت المذنب في ذلك بكنوزك المزيفة ، أنت أيها الروح الشريرة من قادني إلى حتفي . لقد أجبرتني على أن أبحث عن العون لدى ذلك الأخر - أنت المسؤول عن كل هذا ))) .

           لكنه ما كاد ينطق بهذه الكلمات حتى راح الرجل الزجاجي ينمو و ينتفخ ، فصارت عيناه في حجم قصعة الحساء و فمه شبيهاً بفوهة مدخنة ينطلق منها اللهب .

         خر بيوتر ساجداً ، وراح  يرتجف  كمثل العشب ، على الرغم من أن قلبه كان من حجر . غرز الحطاب مخالبه الشبيهة بمخالب الباشق في نقرته ، و رفعه ، و راح يدومه في الهواء كما تفعل الرياح بورقة يابسة ، ثم رماه أرضاً على نحو جعل عظامه تفرقع ، و صرخ بصوت كصوت الرعد :

         '-((( أيها الدودة   .   كان في مقدوري أن أطأك بقدمي لو أردت ذلك ، لأنك أهنت مالك الغابة . لكنني أعطيك مهلة أسبوع كرمى لهذه المرحومة التي أطعمتني  و سقتني . فإذا لم تتحول إلى طريق الخير فسأتي إليك و أمحوك من هذه الدنيا ، و تموت  بغير توبة ))) .

      

         كان الوقت متأخراً ليلاً حين مر بعض الرجال و رأوا بيوتر الثري ممدداً على الأرض فاقداً الوعي .

       راحو يقلبونه محاولين إعادة الحياة إليه ، لكن مساعيهم ظلت بغير فائدة وقتاً طويلاً ، إلى أن دخل أحدهم المنزل أخيراً ، و جلب الماء و رشه على  وجهه .

   تنهد بيوتر عميقاً ، و أنّ ، ثم فتح عينيه ، و راح يتلفت حوله طويلاً .
سأل بعدئذ عن زوجه ليزبيت ، لكن أحداً لم يرها . شكر الناس على مساعدتهم و مشى إلى بيته ، و راح يبحث عنها في كل مكان فلم يجدها - لا في القبو و لا في العلية ، و بدا ما كان يحسبه كابوسا ً حقيقة مرة . بدأت تزوره الآن ، حين صار وحيداً ، أفكار غريبة : لم يكن يخاف شيئاً لأن قلبه كان بارداً ، لكن كان يكفيه أن يفكر بموت زوجه حتى يبدأ يتخيل نهايته ، و كيف سيغادر هذا العالم مثقلاً بهذا القدر من الخطايا - مثقلاً بدموع الفقراء و الآلاف المؤلفة من لعناتهم ،  التي لم تستطع أن تلين قلبه ، و مثقلاً ببكاء البؤساء الذين أطلق كلابه خلفهم ، و بحزن أمه الصامت ، بدم ليزبيت الجميلة و الطيبة ، بم سيجيب أباها المسن حين سيأتي إليه و يسأله :

القلب الباردحيث تعيش القصص. اكتشف الآن