كنتُ أرمي بناظري على اللاّشيء خجلا من نفسي وسط هتافات النّاس خلفي : " يا جاني ، أيّها المجرم النذل .." حين دقّ القاضي بمطرقته فأصدر صوتا ليس بالّلطيف إخترق مسامعي وكسر صخب النّاس تتبعه كلمات صدرت من فاه القاضي وسط الهدوء الذي ساد منذ الطّرق : " بعد التّشاور ودراسة الأدلّة وحسب ما ينصّه قانون العقوبات حُكم على المفتّش ديفد كلينتون السّجن لـ 8 سنوات مع الأعمال الشّاقة " .
أنا ديفيد كلينتون مفتش ورئيس مخفر مدينة كاندرا ، قضيت مرحلة شبابي وكهولتي ألقي القبض على المجرمين مستعد لدفع حياتي ثمنا لحماية أهلي وناسي والآن وسط نظرات الإحتقار مكبّل بالأصداف ، يحاولون حماية النّاس منّي ، كأن السّحر ينقلب على السّاحر.
ماذا أفعل هنا مكان المجرمين ؟ هل نسى النّاس ولائي واخلاصي بعد أول اتهاف ملفق لي ؟ والأهم من كل شيء كيف سأنجو من هذا ؟ تسبح فصول الحيرة في عقلي وتعانقني علامات الاستفهام ، في رأسي ألف سؤال وسؤال ، وفي صدري ألف ذبحة وذبحة .
لم أستفق من نشوة حزني إلّا لمّا أحسست بقوة قبضة الشّرطيين اللّئيمين وهما يجرّانني ٱلى باب المحكمة قاصدين السّجن لألقى حتفي ظلمًا وأدفع ثمان سنوات من عمري بين أربعة جدران ثمنًا لألعاب أحدهم معي .
أنساق للأمر كمن لا حول له ولا قوّة ، أحث قدماي على السّير بخطى مثقلة بالدّهشة والخوف من المجهول القادم ، وسط آلاف البصقات ومختلف الشّتائم بكلّ اللّغات ترتمي على مسامعي كالأسهام ، لم أتأثر لا بهذا ولا بذاك ولم تهتزّ نفسي الاّ عندما التقت نظراتي بناظري ابنتي ، ارتّج قلبي وبدني ، القت عليّ فلذة كبدي نظراتِ خيبة عميقة عمق البحار وفرط المستحيل ، انفجر ينبوعها معلنًا عن انصهار آخر أمل في نفسها ، غطّت وجهها بكفّيها الصّغيرين وارتجعت إلى الخلف لتختفي وسط جموع النّاس ، إنني وفي هذه اللحظة بالذات أود أن ألتحم مع العدم، أن أختفي من ذاكرة كل الذين عرفوني، بشكل مفاجئ، دون أن يبقى لي أدنى أثر..
لن أقول أنّي أطؤ الجحيم للمرّة الأولى ، لقد سبق وزرته مرّات عديدة ، لكنّها المرّة الأولى التي أدخل كجاني لألقى العقاب ، هكذا انتهى بي الأمر خلف قضبان سجن العاصمة بدلًا من الإحتفال بتقاعدي بعد خدمات جليلة و ترقيات عديدة .
لا أزال عالقا بين براثن المحكمة متمسّكا بطيف ابنتي مارلين التي خيّبت ظنّها ، لقد تحوّلت في نظرها من بطل خارق إلى حشرة لعينة ، اشتعل بركان فجيعتي ليحرق كل أخضر ويابس ، أفقد أعصابي على غير العادة وأجثو على رُكبتيّ ممسكا بقضبان الحديد الصّدئة وأنا أكلّم الحارس المترنّح شمالا يمينا بملأ صوتي " أخرجني من هنا .. أنا أشهر مفتّش في البلاد ! أنا ديفيد كلينتون يا أحمق ..!! أخرجوني ".
أنت تقرأ
" أمسكني إن استطعت "
Truyện Ngắnفي أجواء ملؤها الغموض ، ودون سابق إنذار ، يجد المفتّش المتقاعد حديثا نفسه مزجوجا في السّجون بين المجرمين ، كان ذكاؤه جيشه الوحيد وورقته الرّابحة في هذه الحرب ، فهل تكفيه فطنته ليكشف من وراء لعبة " أمسكني ان استطعت "؟