لم تعرف ميسون كم لبثت في الظلام حين استيقظت على صوت بكاء مربيتها و الطفلين. ظلت برهة غير قادرة على الحراك و لكنها كانت تسمع ما يدور بوضوح. كانت مربيتها تقول بصوت باك : بنيتي الحبيبة كدت تهلكين من التعب و لم تنبسي بكلمة شكوى واحدة و أخيرا خانك جسدك. هيا استيقظي يا ابنتي و لا تحيرينا معك.
سمعت أخاها يقول بين شهقاته : قولي لها أن لا تموت هي الأخرى وتتركني وحيدا
استجمعت ما تبقى من قواها و همست باسمه فأسرع يعانقها و يمطرها تقبيلا وهو يقول بسعادة : أنت مازلت حية، مازلت حية
قالت و هي تبتسم بصعوبة : ذكي كعهدي بكرأت وجه مربيتها ينحني عليها و هي تحمد الله على سلامتها ثم سألتها إن كانت تحتاج شيئا ما.
- فقط شربة ماء ، أجابتها بوهن
بعدما شربت ظلت مربيتها تمسح بيدها الدافئة على جبينها البارد ثم استأذنت منها قائلة : بنيتي سأذهب الآن لأطمئن عاصم وعزة فهما في غاية الانشغال عليك. هل تحتاجين شيئا آخر؟؟
هزت رأسها نافية فانطلقت المرأة لتبلغ الآخرين باستيقاظها.
بعد قليل سمعت لغطا بجانب العربة تم ما لبثت أن دخلت عزة عليها. لاحظت الانزعاج الصادق على وجهها فكرت في سرها " إنها تغار مني بلا شك ، لكنها على الأقل لا تتمنى لي الموت."
سألتها الفتاة عن حالها فطمأنتها و هي تبتسم لها ابتسامة رقيقة. سألتها إن كانت تحتاج إلى شيء فلما نفت خرجت و خرج الطفلان معها.
بعد لحظات دخل عليها عاصم. لاحظت رغم جلوسه أن جسده القوي ملأ العربة. لم تجرؤ على النظر في عينيه ، خشيت ألا تجد ما تتوقعه من قلق عليها و تصدم بالجفاء ، بالقسوة أو ربما الغضب ، فهو رجل لا يمكنها توقع ردة فعله.
ساد صمت شبه ملموس بينهما قطعه أخيرا و هو يقول بصوت أجش لا يكاد يخفي انفعاله : كيف أنت الآن؟
أجابته بتهذيب : أفضل و الحمد لله
عاد الصمت ليخيم عليهما قبل أن يقول لها بخفوت : ألن تنظري إلي؟؟
مال نحوها قليلا ثم أضاف بصوت دافئ : هل أنت غاضبة مني ؟؟
رفعت عينيها إليه ببطء فقابلت نظراته الملتهبة ، ابتلعت ريقها بصعوبة و أجابته بصوت هامس : لست بغاضبة منك
سألها بحنان و هو لا يكف عن التحديق فيها : هل أنت واثقة
ابتسمت بخجل و هي تجيبه بصوت مرتجف : ربما قليلا
مال نحوها أكثر و هو يسألها بلهفة : أخبريني كيف أراضيك؟
طغى عليها الحياء فأخفضت عينيها و لم تنبس ببنت شفة. شعرت بعينيه تكادان تلتهمان وجهها فكست حمرة الخجل خديها و شعرت بالدفء يجتاح قلبها و جسدها. و تواصل الكلام الصامت بينهما لم يقطعه إلا دخول الطفلين عليهما.ما إن ترجل عاصم من العربة حتى أطل عليها قائلا بصوت حاول أن يكون حازما : ستسافرين من هنا فصاعدا في العربة مع البقية. ستنامين الليلة مع المرأتين و سينام الطفلان معي خارجا.
فتحت شفتيها لتعترض لكنه قاطعها بحزم : و لا أريد أي اعتراض منك
قالت باستسلام : كما تشاء إذنكانت عزة تعيش أسوأ لحظاتها. فقد تيقنت تماما أن عاصم يذوب عشقا في ميسون.
- كلها مسألة وقت ، تمتمت محدثة نفسها