الحلقة الرابعة

9.8K 321 2
                                    

الحلقة (4)  "برائحة الياسمين"

مر ما يقارب الشهر .. تأقلمت ياسمين مرةً ثانية مع وضعها ، وعزمت علي أن تكون أقوي وأقوي عن ذي قبل ولن تسمح لأحد أن يقلل من شأنها فهي لم تشعر يوماً أن ينقصها شئ وحتي إن شعرت لم تحزن وتمضي بثبــات .. !

كانت تجلس في غرفتها كعادتها تقرأ القرآن بصوتٍ عذب ، حتي دلفت والدتها بهدوء وجلست قبالتها ، لتنتبه لها ياسمين فأوقفت القراءة وأغلقت المُصحف وقامت بتقبيله ، ثم وضعته جانباً ، لتنظر إلي والدتها بإبتسامة صافية وهي تقول في تساؤل : خيرا أمي ، تردين شئ ؟
بادلتها فردوس الإبتسامة وتابعت بتنهيدة : أريد أن أخبركِ ، أن سيأتي لنا ضيوف خلال يومان ..
عقدت ياسمين حاجبيها معا وقالت بإستغـراب: من ؟
تابعت فردوس : نشوي إبنة عمك ، ستأتي من مرسي مطروح ، لتزورنا .. وسيأتي أيضاً معها أخيها يزيد ..
ياسمين بتعجب : أخيها !! هل لديها أخ ؟؟
أومأت فردوس برأسها وتابعت بتوضيح : نعم لديهـا ، ولكن لم يكن إبن عمك ، هو أخيها من الأم فقط ! تعلمين أن عمك توفي منذ زمن وزوجته تزوجت مرة ثانية وأنجبت يزيد ثم توفيت بعد فترة قصيرة وعاش مع شقيقته نشوي حتي أصبح الآن شابا ...
تنهدت ياسمين وقالت بعدم إهتمام : حسنا ، ولماذا سيأتي معها إلي هنا ؟ وهو ليس له علاقة بنا !
زفرت فردوس وتابعت : يا ويلي منك ياسمين ، سيأتي مع شقيقته حتي لا يتركها تأتي بمفردها وأيضاً يتعرف علينا لا بأس في ذلك
تابعت ياسمين : كما تحبين يا أمي ، إذا آتيّ أو لا في كلتي الحالتين لا يهمني الأمر ..
نهضت فردوس وهي تٙرمقها بغيظ : تصبحي علي خير !! ... ثم إتجهت صوب الباب وخرجت وما إن خرجت رفعت كفين يديها داعية الله بتوسل : أسألك يا الله أن تجعله نصيبها فلقد ذاب قلبي من كثرة التمني ، إني أريد أن أطمئن عليهـا فحقق لي يا الله ما أطلب منك إنك علي كل شيء قدير . 
بينما تابعت ياسمين قراءة وردها القرآني ، وأذكار المساء ، ثم أغلقت الإضاءة وغطت في سُباتٍ عميق ...
................................

مر يومان ، قامت فردوس بتجهيز المنزل علي أكمل وجه بمساعدة إبنتها يمني ، إستقبالا لهؤلاء الضيوف القادمين ، تعجبت ياسمين لإهتمامهما بهذه الزيارة فتساءلت بإستغراب : لماذا ، كل هذا ؟؟ ألهذه الدرجة الضيوف هامة ؟؟
أجابتها يمني بمرح : نعم هامة ، هذه إبنة عمنا ومنذ زمن لم نراها فالبطبع نشتاق لها ولابد أن نكون مُستعدين لمقابلتها ...
فردوس مؤكدة : نعم مثل ما قالت يمني نحن لابد أن نستعد .. وهيا تجهزي أنتِ أيضاً يا ياسمين ..
إتجهت ياسمين إلي غرفتها بلا مبالاه وهي تتمتم بضجـر .. بينما أكملتا فردوس ويمني تجهيز المنزل ...

و بعد مرور ساعتان من الزمن ، دق جرس المنزل معلناً عن وصول الضيوف ، توجهت فردوس لتفتح الباب ويدلفا إلي الداخل قامت بالترحيب بهمـا ، وكذلك فرحّت نشوي لرؤيتها فمنذ زمن لم تراهن ..
جلست بصحبة شقيقها يزيد الذي كان فاره الطول ونحيف إلي حد ما ، وله لحية خفيفة وعينان بنيتان واسعتان أيضاً وملامحه رجولية إلي حد كبير ....
توجهت فردوس له بالحديث : أنارت منزلنا يا يزيد مرحبا بك ...
إبتسم لها بوقار ، ثم تابع هادئا : أشكرك ، هذا نوركن .
أقبلت عليهم يمني وألقت السلام ثم صافحت نشوي وعانقتها مُرحبة بها..
فأردفت نشوي في تساؤل : أين ياسمين ؟؟
نهضت فردوس قائلة بإبتسامة : ستأتي حالا ، وأنا سأحضر لكم عصير ...
ثم إتجهت إلي غرفة إبنتها ودلفت لتقول بحنق : ما هذا ياسمين ؟؟ أنتِ لم ترتدين ملابسك إلي الآن ؟؟
حركت ياسمين رأسها وقالت بنفي : أنا لم أرتدي ثيابي ولن أخرج أيضاً !!
إنفعلت فردوس قائلة : ماذا ؟؟ .. إنهضي الآن وإخرجي لإبنة عمك وصافحيها !
تنهدت بضيق وقالت : هي ليست بمفردها ، معها رجل غريب ، وأنا لا أرغب في رؤيته .. !!
- ستلقي السلام عليه وإنتهي الأمر !! هيا إنهضي يا ياسمين وإلا لن أتحدث معك مرة ثانية !
إنصاعت ياسمين أخيراً لوالدتها ، ونهضت لترتدي ملابسها علي مضض ، بينما والدتها أحضرت العصائر وبعض الحلوي وتوجهت إلي نشوي وشقيقها ، وبعد قليل خرجت ياسمين وهتفت في هدوء : السلام عليكم ..
رد يزيد دون أن يرفع عينيه : عليكم السلام ..
بينما نهضت نشــوي لتعانقها وهي تقول بإنبهار : ياسمــين ! متي تنقبتي ؟
إبتسمت واجابتـها : تنقبت منذ عشر سنوات ..
نشوي بإعجاب : ما شاء الله ، الله يحميكي ..
رفع يزيد عينيه عندما علم انها منتقبة .. ليخفضها سريعاً بعد ذلك وإبتسم حين سمع صوتها تقول : شكرا يا نشوي .. أنتِ كيف حالك ؟
أومــأت برأسها وقالت : الحمدلله بخير ، لقد إشتاقت لكُن كثيرا ، وجئت أنا وأخي لنراكن .. ولكن كانت آخر توقعاتي آن أراكي مُنتقبة ، أخبريني كيف تنقبتي ولماذا ؟
أجابتها بثبات : تنقبت عندما عٙلمت آن النقاب عفة وستر ، وعندما علمت آن كل جزء أقوم بتغطيته تتضاعف لي الحسنات والأجر ، ثم تابعت بمرح : وأنا أُريد كُل حسنة ولست بغني عنها ..
نشوي بإنبهار : رائع جدا .. تعلمين  ياسمين أنا أريد آن أرتديه ولكني أخشي أن يُقيدني ولا أستطيع أن أفعل شئ ، حذرني الكثير منه.. منهم من يقول لي ، لن تأخذي راحتك ، ومنهم من يقول ستخلعيه بعد ذلك وتتخلين عنه ولن تتحمليه أبدا ..
تابعت ياسمين بتنهيدة : بالنسبة لي ، العكس صحيح ، أعتقد إني أصبحت حرة أكثر عن ذي قبل !! همٔ يفكرون أنه تقييد للحرية ولكن في الحقيقة أنه لباس ساتر يعطيكي حرية ، وأنا لم أشعر يوما أنني مقيدة بل بالعكس أنا أخرج وأتنزه مع بعض الصديقات ونضحك ونمرح ولم يكن أبدا عقبة في حياتي ، كل ما في الأمر أنه عفة وفضل ..وإقتداء بأمهـات المؤمنين رضي الله عنهن .
قالت نشـوي بإعجـاب : كلامك رائـع ومقنع ياسمين .
إبتسمت ياسمين وفضلت الصمـت
وإبتسم يزيـد بإعجاب فـ كلماتها أصابت قلبه وصوتهـا الرقيق إخترق مسامعه .
إنتهت الضيافـة وعاود يزيد مع شقيقته نشـوي إلي بيتهما حيث يوجد شقـة خاصة بهمـا أيضا بالقاهرة يقيما بهـا عندما يأتيا من مرسي مطروح.

........................
جلسا سويا في شرفـة المنـزل يتناولا الشاي الذي أعدته نشوي ...
إرتشفت منه رشفة ثم أعادت الكوب علي الطاولة ، وقالت بإبتسامة : إلي أين ذهبت يزيد ؟
إنتبه يزيد الذي كان يحتسي الشاي بشرود ، ثم قال : معك ، ماذا تقولين ؟
ضحكت نشوي ثم قالت : أقول ، بماذا شردت !
مط شفتيه وتابع مردفاً : لم أشرد يا نشوي لقد كُنت أتناول الشاي ليس أكثر ..! 
ضيقت نشوي عينيها بمكر وتابعت : حسنا ، أخبرني ما رأيك في زوجة عمي وبناتها ، هل أعجبتك هذه الزيارة ؟ أم هناك شئ لم يعجبك .. ؟
حرك رأسه نافياً وتابع : لا ، علي العكس هناك شئ بداخلي لا أعلم ما هو حينما ذهبنا لهذه الزيارة ، وهذا الشئ تضخم داخلي حين سمعت صوتها وكلامها الذي إقتحم آذني إقتحامًا ..
إبتسمت نشوي ولكنها عقدت حاجبيها في تساؤل : من ؟؟ من هذه التي تتحدث عليها !
تنهد يزيد طويلاً وراح ينظر إلي السماء الصافية ، ثم تفوه بإسمها ببطئ وكأنه يستشعر كل حرفاً فيه : يـاسميـن ..
ردت نشوي بمرح : أقسم لك ، أنني كُنت مُتيقنه من أنك ستعجب بها من الوهله الأولي .
رفع حاجباه وتابع بمزاح : ومن قال لكِ إنني أعجبت بها !! هذا مُجرد شئ داخلي لا أعلمه ..
أجابته مرددة : وهذا هو الإعجاب يا أخي العزيز .. ولن تجد مثل ياسمين مهما بحثت فلنقول مبارك مُقدماً .
ضحك يزيد بتعجب : ما بكِ يا نشوي ، أنتِ  ترتدين إزاحتي من البيت !
شاركته الضحك وهي تقول من بين ضحكاتهـا : لا ، ليس كذلك ، كل ما في الأمر أريد أن أفرح بك وأراك عريس مع عروس صالحة ، وفي الحقيقة لن أجد مثل ياسمين عروسا لك.. هذه الفتاة متدينة وجميلة ومرحة أيضاً وبها صفات يتمناها أي شاب .. ولكن نصيبها لم يأتي بعد ..
أومأ يزيد برأسه وقال مؤكدا : وهذا ما شعرت به ، حين سمعت صوتها وانصت إلي كلامها أصابني إرتجافة في قلبي وشعرت به يخفق بشدة فلا اعلم هل هذا إعجاب أم ماذا ، ولكني شعرت بإرتياح منذ أن أتينا من منزلهن ...
تحدثت نشـوي بفرحة ظهرت علي ملامح وجهها : جيد جدا ، أنا سأذهب إليهن غدا ، وسأخبرهن أنك ستتقدم رسمياً لياسمين وتريدها زوجة علي سنة الله والرسول ...
يزيد بإندهاش : بهذه السرعة .. ؟؟
أومأت نشوي : ولماذا التأخير .. دعني أوفق رأسين في الحلال يا أخي العزيز .
ضحك يزيد وقال : معك حق ، إذهبي ثم أخبريني بما حدث ... وسأنتظر بفارغ الصبر !!..
.........................

في اليوم التالي ذهبت نشـوي إلي منزل عمهـا مرة ثانية ، لتخبرهن أن يزيد، يريد أن يتقدم رسمياً ، ولكنها صُدمت حين تلقت رد فعـل ياسمين ، ألا وهو الرفض التـام !

يتبع ..

نوفيلا برائحة الياسمين بقلمي فاطمة حمدي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن