الفصل السادس

3.3K 87 1
                                    


6- حبها له ضرب من المستحيل . فهو ليس الرجل الذي تنشده . لكن لماذا يؤلمها التفكير بأنه مع امرأة أخرى ... الى هذا الحد ؟
وصل جوناثان واميليا نيل الى لويزفيل بعد ظهر نهار الجمعة وانتقلا على الفور الى دار آل اوبريان ملبين دعوة للعشاء بعدما اتفقا مع جيسيكا على موافاتهما بعد انتهائها من عملها.
فوجئت الأبنة عند دخولها منزل فيفيان بجو المودة والألفة المخيم على المجتمعين وكأنهم على معرفة سابقة.
بدا والداها مسرورين جداً في التحدث الى مضيفتهما مأخوذين بسحرها وحسن ضيافتها ولم يطل الأمر حتى انضم اليهم بيتر فجلسوا الى مائدة حفلت بكل ماتعلمت فيفيان تحضيره من مأكولات يتبادلون الأحاديث ويتناقشون في أمور الطب.
ادركت جيسيكا خلال السهرة ان والديها باتا مقتنعين تماماً بصواب انتقالها الى لويزفيل فلم يتطرقا الى الموضوع أبداً.
وعند عودتهم الى المنزل اعترف الوالدان لجيسيكا بأنهما اساءا الظن بلويزفيل بعد ماسمعاه من الدكتور اوبريان وماشاهداه خلال مرورهما فيها.
في الصباح التالي اصطحب بيتر ضيفه في جولة الى المستشفى تاركين اميليا تستمع الى ابنتها تحدثها عن عملها وطريقة عيشها في لويزفيل.
- اني بخير يا أماه فلاتقلقي عليّ.
- هل تهتمين بأكلك؟
ضحكت الأبنة وقالت مطمئنة:
- بدأت اتعلم الطهي عدا عن ان فيفيان تحيطني برعايتها كم من مرة عدت فيها متأخرة لأجدها قد حضرت لي العشاء.
- انها سيدة رائعة.
- الجميع هنا لطفاء معي وأنا مسرورة بالعمل.
لم تسنح الفرصة لجيسيكا للتحدث الى والدها على حتى بعد ظهر اليوم التالي.
جلسا في غرفة الجلوس بينما تمددت اميليا في غرفتها يحدثها باعجاب عن المستشفى وعن جولته في ارجائها:
- اعترف ياجيسيكا بأني اعجبت كثيراً بالدكتور اوبريان.لم اعرف شيئاً بعد عن شريكه.
فوجئت جيسيكا بعبارة ابيها واحتارت كيف تخفي انفعالها مجيبة بتلعثم:
- دان ترافورد؟ آه، انه ... انه طبيب لامع وجراح ماهر ويبدي اهتماماً بجراحة الأعصاب.
توقف جوناثان عن مراقبة الدخان المتصاعد من غليونه والتفت اليها سائلاً باهتمام:
- أصحيح؟ هل ستتسنى لي مقابلته؟
- استبعد ذلك فهو ... ( لاحظت علامات الخيبة على وجه والدها فاستدركت) هل اتصل به وادعوه لتناول فنجان من الشاي؟
رحب جوناثان باقتراح ابنته هاتفاً:
- ولم لا؟
من حسن حظها انها نقلت الهاتف من غرفة الجلوس فلم ير والدها ارتجاف يدها وهي تدير قرص الهاتف في غرفة نومها. تهادى الى مسمعها صوت انثوي هادئ النبرات فأحست بقشعريرة تسري في جسمها وسألت:
- أهذا منزل الدكتور ترافورد؟
- أجل لكنه في اجازة عطلة الأسبوع بامكانك الاتصال بشريكه الدكتور اوبريان.
قطع الخط قبل ان تسنح الفرصة لجيسيكا للاستيضاح فاعادت السماعة الى مكانها وعادت ادراجها الى غرفة الجلوس بعينين تائهتين يعتصرهما الألم.بادر جوناثان بالسؤال:
- هل سيأتي؟
تهادت على مقعدها شاردة الذهن وتمتمت:
- لا اعتقد ذلك فهو ... مرتبط بموعد آخر.
علق الأب بخيبة:
- أمر مؤسف ( وحدج ابنته بنظرة ثاقبة متابعاً ) أراك شاحبة الوجه ياجيسيكا هل تشعرين بشئ؟
تعمدت الابتسام قائلة:
- مجرد ألم خفيف في المعدة. سأهيئ الشاي قبل ان تستيقظ أمي.
ما ان انفردت بنفسها في المطبخ حتى راحت تؤنب ذاتها على بلاهتها وتهورها في علاقتها مع دان.كيف تركت نفسها تتورط مع شخص عرفت غايته منها منذ البداية؟ لم تعد تدرك حقيقة شعورها نحوه. هل تحبه ام لا؟ واقتنعت في نهاية الأمر بأن حبها له ضرب من المستحيل فهو ليس الرجل الذي تنشده ... لكن لماذا التفكير بأنه مع امرأة أخرى يؤلمها الى هذا الحد؟ أهي الغيرة التي تحز في نفسها أم اشمئزازها من تصرفاته؟
انقضت عطلة الأسبوع بسرعة ولم تلتق جيسيكا الدكتور ترافورد الا مساء الاثنين في العيادة حيث اضطرت لانتظار بيتر الى حين عودته من المستشفى للتباحث في حالة أحد المرضى.كانا يتكلمان عن والديها حين دخل عليهما دان باناقته المعهودة.
بادره بيتر وهو يهم بالخروج:
- من المؤسف انك لم تقابل والدي جيسيكا في عطلة الأسبوع فجوناثان نيل واحد من أشهر الاطباء الذين صادفتهم.كنت ولاشك ستسر بمعلوماته عن جراحة الاعصاب التي تعطيها الكثير من اهتمامك.
بقي دان صامتاً الى ان أغلق بيتر الباب خلفه،فسأل ببرودة:
- لماذا لم تعلميني بقدوم والديك؟
نهضت جيسيكا عن مقعدها واضعة يديها في جيبتي سترتها مخافة ان يلاحظ ارتجافهما وسارت الى النافذة تنظر الى الخارج:
- اتصلت بك بعد ظهر السبت لادعوك لتناول الشاي لكني اكتشفت انك كنت مشغولاً جداً.
تقدم منها مجيباً بنبرة هادئة لا أثر فيها للاعتذار أو للأسف:
- آه، سيلفيا. أهي التي تلقت المخابرة؟
- اعتقد ذلك، مالم تكن قد امضيت عطلتك مع أكثر من امرأة.
- كلمة منك ياجيسيكا وتصبح سيلفيا سامرز صفحة من الماضي.
استدارت تواجهه قائلة بسخرية:
- اتساءل متى ستعاود قول هذه العبارة الى فتاة أخرى؟
- جيسيكا! لم أتمن امرأة قبلك كم أتمناك انت.
- يفترض ان اشعر بالاطراء لكني أحس العكس تماماً. وان اردت معرفة حقيقة شعوري الآن فيمكنني اختصارها بكلمة حقارة.
شحب وجهه فجأة وامسك بمرفقيها يهزها بعنف:
- يا الهي. اراهنك على انك كاذبة في حقيقة شعورك، فانت لم تشعري بالحقارة تلك الليلة.ماأحسست به ساعتها كان عاطفة جامحة لاتخفى على احد. لاتحاولي التلاعب معي ياجيسيكا نيل والا اثبت لك الآن وفي عيادتك كم انت كاذبة.
- انك ... انك تؤلمني.
- احمدي ربك على ان يدي ليستا حول عنقك لأني مافكرت يوماً بازهاق روح انسان كما افكر الآن.
افلتها فتراجعت الى النافذة تدفن وجهها في راحتيها بينما غادر الغرفة مغلقاً الباب خلفه بقوة جعلتها تهتز في مكانها لقد خرج من حياتها مخلفاً فيها جرحاً يصعب على الأيام مداواته.
كان شعورها في محله،فخلال الأسابيع التي تلت عاملها دان كأي شخص غريب.افتقدت ملاحظاته الجارحة لها افتقدت هزءه المعتاد لم تعد تلاحظ ابتسامته الساخرة بل وجه عابس يلعب دور رب العمل انها تحبه كما لم تحب انساناً في حياتها.وتشعر بهذا الحب يضج في اعماقها ويهدر في عروقها.لكنها تأخرت في الاعتراف بهذا المارد السجين في فؤادها ولم يعد بامكانها الافصاح عن حبها لانسان لاقيمة للحب عنده.
كانت جيسيكا عائدة من زيارة احد مرضاها في احدى المزارع المجاورة فعرجت على منزل اوليفيا للاطمئنان عليها وعلى الطفل فقد شعرت اليوم بحاجة الى محادثة شخص يفهمها ويساعدها فلم تجد أفضل من هذه الصديقة الوفية التي طالما اعجبت بآرائها وعملت بنصائحها.
جلستا على الشرفة تتناولان الشاي بينما غط لوغان في نوم عميق في سريره الصغير بالقرب من والدته.لم تخل لقاءاتهما في المدة الأخيرة من الحديث عن الطفلة القادمة الى لويزفيل فسألت اوليفيا ضيفتها بحماس:
- متى تتوقعين وصول ميجان؟
- ستصل غداً صباحاً في أول قطار قادم من جوهانسبرغ.
- هل اخبرت فيفيان بذلك؟
- اكتفيت باعلامها بقدوم الطفلة لتمضية بعض الوقت معي وسألتها السماح لها باللعب في الحديقة خلال عملي في العيادة.
- ماذا كان جوابها؟
- تعرفين فيفيان لم تبد أي اعتراض بل رحبت بالفكرة واعدة باحاطة الطفلة بعنايتها طوال النهار اذا اضطررت للتغيب عن الغداء.
- ارجو ان تنجح الخطة.
- هذا ما اتمناه أيضاً.
كانت تعلم انها عملية رهان لا اكثر من غير ضمانات اكيدة لنجاحها.
أمضت جيسيكا ليلتها تصارع الارق تتساءل ان كان تصرفها صائباً في تدبر اللقاء بين فيفيان وميجان؟فقد لاتتفقان معاً وتضيع فيفيان على نفسها وعلى الطفلة فرصة نادرة.
أو قد تسير الأمور على مايرام وتتحابان ولكن هل يبقى دورها خافياً على الاثنين فتتفادى احراجاً هي بغنى عنه؟
اقتنعت بعد ان غلب الكرى اجفانها بالكف عن تساؤلاتها فالعملية كلها مجرد تجربة وان فشلت فلن تلحق الاذى بأحد.
استيقظت قبيل الفجر على غير عادة فارتدت ثيابها على عجل وتوجهت الى محطة القطار تنتظر وصول ميجان.
اجاب موظف المحطة على تساؤلاتها القلقة وهي تذرع الرصيف بخطى سريعة:
- سيصل القطار بين دقيقة وأخرى يادكتورة نيل.
ولم تمض دقائق حتى شاهدت دخان القطار وهو يقترب من المحطة.
وقبل ان يشارف على التوقف أطلت الطفلة برأسها من احدى النوافذ تلوح بيدها لجيسيكا هاتفة:
- دكتورة جيسيكا ، دكتورة جيسيكا.
وماهي الالحظات حتى كانت ميجان ترتمي في حضن جيسيكا بقوة كادت ان توقعها لكنها نجحت في استعادة توازنها وطوقت ميجان بذراعيها.
- يسرني ان اراك ثانية ياميجان.كيف حالك ياصغيرتي؟
- اشتقت اليك يادكتورة.
- وأنا أيضاً ( وحملت الحقيبة الصغيرة متابعة ) لنذهب الآن سنتكلم في الطريق فأنا متشوقة لأريك منزلي.
لم تكف ميجان عن الكلام طوال الطريق فاخبرت جيسيكا كيف رافقها جوناثان نيل من الميتم في سيارته الفخمة محملة بقطع الحلوى التي ارسلتها اميليا لها وحكت لها عن الرحلة الممتعة في القطار من جوهانسبرغ الى هنا اصغت اليها جيسيكا بحنان من غير ان تقاطعها لم تعهدها بهذا الحماس الى الكلام والضحك فقد عرفتها كئيبة لايعرف وجهها الابتسامة.
انهمكت جيسيكا فور وصولهما الى المنزل بتحضير الفطور بينما راحت ميجان تتحرى المنزل غرفة بعد الاخرى.
لاحظت جيسيكا عند جلوسهما الى المائدة شهية الطفلة الهائلة الى الأكل فسألتها بتودد:
- ألم تأكلي شيئاً في القطار؟
- بلى لكني لم أذق البيض منذ فترة طويلة فالمسؤولون عن الميتم لايقدمونه الا في المناسبات الخاصة.
دفعت بطبق البيض أمام الطفلة من غير ان تسألها عن ماهية المناسبات الخاصة وراحت تراقبها تلتهم البيضة تلو الاخرى بشهية غير معقولة.
ما ان انهت جيسيكا غسل الصحون حتى سمعت طرقاً على باب المنزل وصوت فيفيان سائلة:
- هل بامكاني الدخول؟
- بالطبع فيفيان نحن في المطبخ.
وضعت الزائرة طبقاً من الحاوى على الطاولة قائلة:
- حضرت بعض الحلوى مساء البارحة ( واردفت الى ميجان ) فقد تودين تناولها مع الشاي.
- شكراً يافيفيان ( وربتت على كتف الطفلة متابعة) ميجان انها السيدة اوبريان وزوجها طبيب ايضاً.
مدت الصغيرة يدها مصافحة:
- مرحباً ياسيدة اوبريان.
امسكت فيفيان بيد ميجان بحرارة وقالت مبتسمة:
- يسرني التعرف عليك ياميجان وارجوك ناديني العمة فيفيان ( والتفتت نحو جيسيكا تسألها ) هل لديك عمل بعد ظهر اليوم؟
تنهدت جيسيكا مجيبة:
- أجل يافيفيان.
- سأزور اوليفيا اليوم وبامكاني اخذ ميجان معي لتتعرف على فرانسين.لاشك في انها ستجد سلوى في المزرعة.
سألت الطفلة بحماس:
- هل تملكين مزرعة ياعمة فيفيان؟
- انها مزرعة أخي ولديه ابنة تدعى فرانسين تكبرك بثلاث سنوات لكني متأكدة من انها ستسر بلقائك ستتجولان في المزرعة وتمضيان وقتاً ممتعاً هل تودين مرافقتي؟
رفعت ميجان عينيها الزرقاوين نحو جيسيكا تسألها بتهذيب:
- هل استطيع الذهاب يادكتورة جيسيكا؟
- طبعاً ياحلوتي.

المجهول _ ايفون ويتالحيث تعيش القصص. اكتشف الآن