الفصل السابع

3.1K 74 0
                                    


7- لم تشعر بهذا القدر من الفرح و الارتياح منذ أمد بعيد. إنه تحديها الثاني لدان ترافورد و لكنه ما زال متفوقاً عليها بنقاط كثيرة...

لم يكن الوقت في صالح جيسيكا، فالرجل الممدد في غرفة العمليات مصاب بنزيف داخلي، و الممرضة المساعدة تشير إلى أن نبضه يضعف بصورة مطردة. ما تحتاجه هو خمس دقائق أخرى قد تنقذ حياة إنسان و تنشله من براثن الموت.
حتى دان الواقف قربها لم يستطع أن يفعل شيئاً، فتفادى الاثنان النظر إلى بعضهما البعض و حتى التكلم منهمكين في محاولة يائسة لانقاذ المصاب. و دأبت على الالتفات بين الحين و الآخر إلى جهاز التنفس يخف تدريجياً منذراً بوقوع الكارثة. يداها المغطتان بقفازين ملوثين بالدماء، لم تتوقفا عن العمل لثانية واحدة تحاول في احداهما إبقاء مجرى الدم مفتوحاً بين العمل لثانية واحدة تحاول في احداهما ابقاء مجرى الدم مفتوحاً تحطم الاعصاب و القلب، و في الاخرى معالجة التمزق الذي احدثه تحطم الاضلاع من جراء السقطة. لكن الوقت لا يرحم تمضي ثوانيه بسرعة مقربة المصاب من حتفه.
رفعت الممرضة كمامتها الملطخة بالدماء و همست بيأس و خيبة:
- لقد مات يا دكتورة نيل.
التفتت جيسيكا بهلع إلى الشاشة السوداء المعلقة قربها، تطلق صوتاً رتيباً متواصلاً معلنة توقف قلب المريض عن الخفقان. لقد خذلها الوقت فلم يمهلها دقائق خمساً لينتصر في النهاية، فتراجعت مهزومة تغسل يديها. بينما أعطى دان تعليماته إلى الممرضة المساعدة:
- لقد انتهى الأمر، فاجري اللازم يا آنسة، و اعملي على ابلاغ ذويه.
لحق دان بجيسيكا إلى غرفة الملابس منادياً باسمها، لكنها لم تشعر برغبة في التكلم معه، و ضاعفت خطواتها تهرباً من مواجهته. تريد أن تختلي بنفسها و لو لدقائق معدودة تلتقط فيها انفاسها، فما ان وصلت إلى الحمام حتى قفلت الباب خلفها بقوة حابسة نفسها مع الحزن و الخيبة.
استعادت هدوءها رويداً رويداً من غير أن تتمكن من مسامحة نفسها على ما فعلته في غرفة العمليات. لابد من أنها أخطأت. لكن كيف؟ حدقت في يديها تستعيد مراحل العملية علها تكتشف شيئاً، لكن ذاكرتها أبت التعاون تاركة اياها فريسة الندم و الشرود. فجأة و هي تخلع ثوب الجراحة، تذكرت حادثة بسيطة سبقت صدور ذلك الصوت عن آلة التنفس، و لاحت صورة المصاب امامها من جديد تعيدها إلى واقعها الحزين. لقد غاب عن بالها ما رأته قبل أن تعلن تلك الآلة اللعينة الخبر المشؤوم. لقد تلوث قميصها و قفازاها ببقع الدم المجمد في الوقت الذي بدأ المضبع يشق طريقه في صدر المصاب. مما يعني أن عنصر الوقت هو الذي قضى على المريض و ليس مضبعها. لو كان بامكانها إيقاف الزمن أو اختلاس بضع دقائق أخرى فربما كانت كافية لمنع قلب ذلك المسكين عن التوقف.
عند خروجها وجدت دان واقفاً في وسط الرواق قاطعاً عليها المرور. ما يزال مرتدياً ثوب الجراحة الملوثة و على وجهه أكثر من سؤال:
- هل أنت بخير؟
- إني... إني على ما يرام.
- هذه الأمور تحدث دائماً يا جيسيكا.
- أعلم ذلك.
- لقد فعلت ما بوسعك.
أدارت وجهها ناحية النافذة و عيناها تكادان تدمعان:
- لكن... آه، علي أن أملأ بعض المستندات و أتهيأ لمقابلة ذوي المريض.
حط يده على كتفها تمنعها من التحرك:
- جيسيكا... إياك أن تخاطري بحياتك مرة أخرى.
التقت نظراتهما لثوان اعادت إليهما تلك الدقائق الرهيبة التي قضتها في الشاحنة المتأرجحة على حافة الوادي.
احست أنه يقاسمها خوفها على نفسها، فالقلق البادي في عينيه ربما كان صادقاً و ارتعاش أنامله فوق كتفها يؤكد ظنها.
- طبت مساء يا دان.
شعرت بنظراته تتبعها حتى نهاية الرواق لكنها لم تجرؤ على الاستدارة، مخافة أن يلاحظ الدمع و قد خطط أهدابها بعد أن لبت عيناها نداء قلبها الموجوع.
في صباح اليوم التالي، جلست جيسيكا على شرفتها ترشف قهوتها و تنظر إلى الصحيفة الموضوعة أمامها مبرزة في صفحتها الأولى خبر قيامها بذلك العمل البطولي لانقاذ سائق الشاحنة.
لم تحتمل قراءة تفاصيل النبأ، فهي لا تعتبر ما قامت به عملاً خارقاً يستحق كل هذه الضجة، لقد أدت واجبها تجاه انسان بحاجة للمساعدة، لكنها فشلت في انقاذ حياته. فأين البطولة في ذلك؟
لم ينقطع هاتفها عن الرنين طوال النهار، فالناس تريد معرفة تفاصيل الحادث منها شخصياً. فانهمرت عليها اسئلتهم بالحاح مستفسرين حيناً و مهنئين حيناً آخر. لكنها في نهاية المطاف اضطرت إلى نزع شريط الهاتف لتهنأ بقسط ضئيل من الراحة.
عند المساء سمعت جيسيكا طرقاً خفيفاً على باب منزلها، و لما فتحته وجدت دان ترافورد متكئاً على حافة الباب. ابتسم ملقياً التحية:
- مرحباً يا جيسيكا. كنت...
قاطعته قبل أن ينهي عبارته:
- دعني اتكهن بما ستقول. لقد كنت ماراً فرأيت أنوار المنزل مضاءة و فكرت بأن تعرج لتناول القهوة. أليس كذلك؟
لم ينتظر دعوتها له و دخل الغرفة و الابتسامة لا تفارق وجهه:
- أنت تقرأين أفكاري يا جيسيكا.
سارت أمامه نحو المطبخ هاتفة:
- هذا ما لن أفعله أبداً.
وقفت بالقرب منها يراقبها تحضر القهوة ثم سأل بمكر:
- هل نامت ميجان؟
- أجل لكن ليس هنا. قد يستدعونني إلى المستشفى في أية لحظة،فارتأيت أن تقضي ليلتها عند بيتر و فيفيان. 

المجهول _ ايفون ويتالحيث تعيش القصص. اكتشف الآن