على عتبات المجهول

235 14 30
                                    

أطلت من الأفق بنت السماء لتلقي بدفئها إلى العالم وتنير بأشعتها ظلام الليل وحلكته فتأتي حاملة معها يوماً جديداً لا يعلم أحد ما يحمل بين ثنياه
.
.
.
وكما أشرقت الشمس على تلك المدينة فقد ألقت بأشعتها صوب تلك الغرفة المظلمة والتي ترقد فيها تلك الفتاة التي ما إن داعبت أشعة الشمس جفنيها حتى فتحتهما بتثاقل بقيت تحدق في السقف قليلاً وهي هاقد أتى هذا اليوم أخيراً هذا هو اليوم الذي ستنتقل فيه من منزلها ومدرستها وحيها إلى تلك المدرسة التي تم نقلها إليها لتنهي دراستها فيها فهي الآن في سنتها الثانية من الثانوية وقد بدأ العام الدراسي قبل فترة ليست بقليلة ولكن من تسمى والدتها  قررت نقلها فجأة من مدرستها إلى أخرى داخلية وفوق كل ذلك هي مدرسة للجانحين وقد كانت ذريعة أمها أنها كثيراً ما تدخل في شجارات وتخوض الكثير من المعارك والطريقة الوحيدة لتأديبها تكون بإنضمامها إلى تلك المدرسة لم تكترث للأمر كثيراً إذ أنها تعرف السبب الحقيقي لنقلها ألا وهو أن والدتها رغبت دوماً بالخلاص منها والآن قد وجدت سبباً لذلك وهي التعذر بجنوحها إرتسمت إبتسامة سخرية على محياها ساخطة من نفسها لتفكيرها بذات الأمر مجدداً
.
.
.
إستوت جالسةً على سريرها ولامست بظاهر قدميها  ذاك البساط القابع أسفلهما بجانب سريرها وتوجهت إلى دورة المياة لتقوم بروتينها الصباحي إرتدت ثياباً مريحة وقامت بنزول عتبات السلم المؤدي إلى الأسفل حيث تقع غرفة الطعام وأثناء نزولها قابلت إحدى تلك الخادمات اللواتي ينتشرن في أنحاء هذا المنزل العتيق إنحنت لها تلك الأخيرة بكل أدب وهي تلقي على آنستها الصغيرة تحية الصباح التي وكما جرت العادة قد تجاهلتها لتكمل سيرها نحو وجهتها الأساسية
.
.
.
وعلى ذاك الكرسي الذي كانت تجلس عليه غالباً جلست ولم تكلف نفسها عناء النظر إلى الموجدين على تلك الطاولة ثلاثة أشخاص سواها
.
.
.
على رأس تلك الطاولة جلس رجل في أوساط العمر جلي على ملامحه الحزم والقوة والثابت كان ذاك زوج والدتها أو أبيها في القانون بالأصح أكثر شخص تمقته على وجه الأرض بعد أمها
.
.
.
وعلى ذكرها فقد جلست على يمين زوجها أبعد شيء يمكن أن تتصف به هو شبهها بإبنتها إختلفت كثيراً عن إبنتها الوحيدة في هذا العالم التي تكرهها كرهاً عميقاً جداً يتغلغل بين دمائها وتتنفسه مع هوائها كره متبادل وحقد من طرف واحد التي هي أمها إمتازت والدتها بجمال أخاذ يسلب الأنفاس بريق يحمل معه جمالاً فاتناً يهدد الناظرين إليه وبذكاء وحنكة تميزت عن باقي أترابها أوصلها إلى ما هي عليه الآن نادرة الإبتسام وكثيرة اللوم وخصوصاً لأبنتها التي لا تعرف شيئاً في هذا العالم سوى كره أمها لها وهي لم تتردد ثانية واحدة في مبادلة أمها ذات المشاعر إختلفت عنها شكلاً لكن كم شبهتها في الطباع والتصرفات وحتى طريقة الكلام عرفت بكرهها لكل من حولها ولذلك إبتعد عنها الكثير من الأشخاص سوى من جمعتهم علاقة عمل أو ما شابه والأمر ينطبق على زواجها الثاني فهي وزوجها ليسا إلا شركاء عمل قررا دمج شركتيهما معاً والسبيل الوحيد إلى ذلك كان زواجها منه لكنها لن تنكر أن هذا الزواج قد أدرر عليها منافع جمة لم تكن لتجدها بدونه
.
.
.
وعلى الكرسي المقابل لها جلست أحب المخلوقات إلى قلبها جلست صغيرتها وأختها وصديقتها وجارتها وكل شيئ في حياتها صحيح أنه ليس لها أي إخوة أو أخوات وأن هذه الفتاة ليست سوى اختاً لها في القانون أي إبنة زوج والدتها على نفس المائدة يجتمع كل صباح أكثر شخصين تكرههما في حياتها وأكثر إنسانة تحبها في الوجود بأسره
.
.
.
وأثناء رفع ملعقتها إلى فمها إذا بها تسمع صوت أمها الحاد والآمر يخترق مسامعها: جيسيكا أعتقد انكِ تذكرين ماهو اليوم
لم تتلقى إجابة منها لذا استرسلت بكلامها غير آبة بردها: أخرجِ سريعاً فالسائق الخاص بكِ ينتظركِ خارجاً
.
.
. مهلاً مهلاً منذ متى ولديها سائق خاص فهي وبالرغم من ثراء أسرتها إلا أن ذلك لم يبدو يوماً عليها والفضل في ذلك يعود إلى أمها وبسبب ذلك إتخذت من المشي وسيلة تنقلها فوالدتها لم تفكر يوماً بتوصيلها بإحدى سيارتها الكثيرة ناهيكَ عن إستئجار سائق خاص بها
.
.
.
بعد تناولها لإفطارها توجهت خارجةً من البوابة فوجئت بنفسها تقف أمام سيارة تنحني الفاخمة لها احتراماً يقف أمامها رجل يبدو عليه الوقار ويرتدي زياً رسمياً جميلاً يزيد من جمال مظهرة تحدث بنبرة إتسمت بكثير من الإحترام قائلا:تفضلي آنستي
بقيت مشدوهة لفترة كيف إشترت لها مثل هذه السيارة وهي لم تشتري لنفسها مثلها أو ما يقارب سعرها حتى فتح لها ذاك الرجل الباب الخلفي من السيارة وقامت بالجلوس في ذاك المقعد الذي بدا للحظة كأنه أنعم فراش على وجه الأرض وما زال التفكير بأمر هذه السيارة يشغل بالها ويحير تفكيرها
.
.
.
وبعد تفكير طويل وإستعادة لكثير من الذكريات قررت إراحة رأسها من كل هذا والنوم قليلاً ريثما تصل السيارة إلى وجهتها التي وعلى ما يبدو واضاحاً لها أن مقصدها بعيدٌ جداً عن منزلها
.
.
.
فتحت عينيها على بعض الأصوات أزاحت ببصرها نايحة النافذة لتتوسع عينيها بصدمة فهي الآن أمام أكبر بوابة شاهدتها في حياتها قليلاً حتى فتحت تلك البوابة فتحرك السائق بالسيارة متوغلاً إلى ذاك المكان الذي كان أشبه بجنة الله على هذه الأرض كان جمال تلك المدرسة أو المدينة المصغرة بمعنى أصح خيالياً كيف تكون هذه مدرسة للجانحين هذا ما فكرت به جيسيكا وهي تراقب ذاك المكان بأعين متوسعة وفم مفتوح
.
.
.
قليلاً حتى توقف السائق أمام إحدى تلك المباني الكثيرة وأنزل الشباك الفاصل بينهما ليقول:يمكنكِ النزول آنستي هذا مكتب مديرة سكن الطلاب هنا بإمكانكِ أخذ المعلومات الضرورية منها
.
.
.
ترجلت جيسيكا من السيارة وأبتعدت عدة خطوات ولكن سرعان ما عادت إنحنت قليلاً لتصل إلى النافذة المقابلة للسائق قامت بطرقها بخفة أنزل السائق زجاج نافذته ليبتسم لآنسته الصغيرة وهو يقول: بما يمكنني خدمتكِ آنستي
تحدثت جيسيكا بعدها وقد تذكرت تواً أمر ملابسها لتقول: ملابسي أين هي؟
أنهت سؤالها منتظرة إجابة له حتى وصلها الرد من قبل السائق الذي قال: لقد سبقتكِ جميع ملابسكِ إلى هنا آنستي
إستغربت قليلاً فكيف تسبقها ملابسها إلى هنا وخزانتها كانت مليئة هذا الصباح بشتى أنواع ملابسها هزت كتفيها بعدم إكتراث ورحلت متوجة ناحية المكان الذي أشار إليه السائق 
.
.
.
فيا ترى ما الذي ينتظرها بعد هذه الخطوات التي خطتها متسلقة سلم عتباته لن تقودها سوى إلى المجهول الذي يحمل كمّاً هائلاً من الغموض الذي دفن في الماضي السحيق فهل يا ترى سيزاح الستار عنه أم سيبقى اللغز لغزاً صعباً عجز الجميع عن حله

همس الأقدار حيث تعيش القصص. اكتشف الآن