~1~

298 22 75
                                    


إهداء :


الى كل الفتيات اللواتي يغرقن في ذات المشاكل
الى اللواتي لم يجدن يداً لتنتشلهن
الى من يحاولن النهوض بأفكارهن رغم القهر الذي يحيط بحياتهن
الى مثيلاتي المثاليات
في كل مكان

الى الصديقات اللواتي انتشلنني
و زرعوا في قلبي القوة لأساعد غيري

❤اليكن جميعا اهدي هذا الكتاب ❤






















لم اعد ذات الرضيعة التي تبكي فقدان امها او والدها ..

إنّ الاشياء التي اصبحت ابكيها تافهة رغم كمِّ الانسانية الهائلة التي تحملها ، اصبحت ابكي القطة اليتيمة التي تعيش في حديقة المشفى و مخاطر ثقب الاوزون على الارض ، احزن كلما تذكرت الاطفال الذين ولدوا في القطب المتجمد ، وانهار حزنا كلما شاهدت شريطا عن صيد اسماك القرش المسكينة التي تعرض كل مساء في تلفاز الغرفة الجماعية التي اقيم فيها داخل المشفى ..

منذ الحادثة التي اوصلتني الى هذه الحالة لم اعد اتذكر عدّ الايام ، لم اعد اجيد التخطيط لما سأفعل يوميا و اصبح كل شيئ رتيبا خاملا و فقدت الحيوية التي كانت تملأني حد السعادة .. لا اعرف ما المصير الذي ينتظرني بعد ان اخرج من هنا .

أشتاق لأمي كثيرا ، كانت الوحيدة التي اعتمد عليها ..
اشتاق لصرامتها و حرصها المتناهي على أدق تفاصيل حياتنا ، اشتاق لتعابير وجهها عندما نكتشف ان طعام العشاء اللذيذ لم يكن من طبيخ يدها ، اشتاق لصوت خطواتها المترددة امام غرفتي حين ترغب في ان تفتح حوارا معي ..

امي ليست فائضة الانوثة ، لا تجيد الطبخ و ترتدي نظارات بإطار رفيع و ملابس عملية و مريحة معظم الوقت ، تهتم لمواعيد الذهاب الى العمل و دفع الايجار اكثر مما تهتم بمغازلة والدي .

لا استطيع ان افهم سرّ تعلقه بها و بالكاد استوعب ان علاقة تبدو بهذا الفتور دامت طيلة هذه المدة .. احيانا اتساءل ان كان لها جانب اخر تخفيه عني ، و احيانا اتخيلها بأحمر شفاه ترتدي ثوبا قصيرا و لائحة طويلة من المجاملات و تحوم حول أبي .

كلمّا تذكرتها انعصر قلبي شوقا و اسرعت الممرضة لتدون ملاحظاتها حول نبضي المضطرب و تسرع لتشي بحالتي النفسية للطبيب .

تداولت عشرات من الممرضات على الاعتناء بي كلّهن طابع واحد ، جسم ممشوق ، اصابع نحيلة ، حركات دقيقة و رشيقة و نظرات عطف ... اصبحتُ كقطط الشوارع ، تعودت على نظراتهن الحزينة على حالتي و لم اعد اغضب منهن ، صدقا يعني .. اصبحت اتسول الاهتمام و لو على شكل شفقة .. الجفاف الذي اعيشه منذ اشهر هنا لا يذكرني الا بالاوقات التي كنت امضيها بالتذمر و ازعاج عائلتي ليدفعوا نفقات تسوقي و الاوقات التي كانت امي تصر عليّ لأرافقها الى بيت جدتي و ارفض ..

سمعت كبار السّن يتحدثون عن تقلبات الحياة ، كيف ترفعك أمداً طويلا ثم تصفعك الى الحضيض في لحظة .. بدأت اعي اخيرا ماذا كانوا يقصدون بكلامهم ، ورغم وعيي هذا الا انني لا املك اي حيلة لأخرج من هذا الوضع المزري .

اصلا مالذي يملكه الانسان في مواجهة قدره ؟

منذ ايام صرّح الطبيب بأنني لن استعيد قدرتي على المشي في وقت قريب ، كان كلامه قاسيا رغم التنميقات و حرصه الشديد ان يجعلني اتقبل كلامه كما لو ان القدمان التي يتحدث عنهما قدما دمية بالية ..

يحاول كل من في هذا المكان تزويق الحقيقة المرة و لفها بمئة طبقة من السكر حتى نبتلعها بسعادة ، و عندما تمر داخلنا يذوب السكر من حولها ، تنتشر مرارتها في دواخلنا و تسممنا ..

تعلمت ان لا ازيف شيئا لأن السعادة التي سأحصل عليها من التزييف بذاتها مزيفة .. احاول ان اجد السعادة في حقيقتي ، في الزهور التي انبثقت من تحت التربة في الاصيص الضئيل امام نافذتي ، في الحمام الذي يأتي كل يوم و ينقر على زجاجها ، في ابتسامة عاملة النظافة النشيطة التي تتحرك بهمّة حولي . تعلّمت ان هذا الركن الضيق الذي لازال مؤمنا بالجمال و الخير و القيم الراقية يجب ان يبقى حيا بداخلي ابدًا .

~ يقيني المحتمل ~Où les histoires vivent. Découvrez maintenant