9

144 24 7
                                    

تسلل الطفل الصغير خائفاً مرتجفاً مشفقاً ...

فيلقي برأسه على صدر أمه ..

يستنشق عطرها ويدفن رأسه في معطفها الصوفيّ الدافئ ...

فتمنحه أماناً لا تدري هي ولا يفكر هو من أين أتى ...

المهم أنه ينسى وتنسى هي أيضاً أنه المذنب

وأنها منذ لحظات كانت غاضبةً توبخه ...

فخاف منها .. فلجأ إليها .. فأمن وفرحت!

وحين يكبر الطفل وتزول عنه براءة الفطرة ..

ينتصب حاجزٌ ما بينه بينها ..

نصبه العرف والتقليد ربما ..

فيشذّ عن مظهر المألوف منظر ((رجلٍ))

يلقي برأسه على صدر أمه ... فيقال

هذا ضعيفٌ ..

هذا جبان ..

الرجل ما زال طفلاً !

يا للعار !

يشعر اللاشعور حينها بالوحدة ..

ويعي اللاوعي ضعفه وعجزه ..

يبحث عن حضنٍ آخر .. عن دفءٍ آخر ..

يختبر الصداقة فلا ترويه ..

والأخوة فلا تشفيه ...

ويبدأ القلب بالتململ ويترك التلميح

ويبدأ التصريح ويقول فجأة ..

هو الحب أيها الأحمق !

ولكن الحبّ لا يكون دوماً كحضنّ الأم كريماً ..

ذاك حضنٌ يعطي ولا يأخذ ...

يأتي إليك فلا تحتمل عناء البحث عنه ومشقة السفر إليه ..

حضنٌ يروي جشع الأنانية .. ويعطي السائل ما أراد ولا يطلب !

ينكشف ضعف (الطفل الرجل) ... ويثقل عليه رأسه ...

وتفلت من بين أصابعه السعادة ..

ويهيم على وجهه باحثاً عن قلبٍ يعترف إليه باحتياجه ..

يشكو له قسوة الزمان .. ومرارة الحرمان ...

ووحشية العجز الذي لا يرحم !

وفي الوقت ذاته يتنكر لضعفه فيقول: أريد فتاةً أملكها ! ...

ولو صدق لقال أريد فتاةً تملكني !

والحبّ في زمن الحرب والموت والحواجز ..

شيءٌ آخر ... ليس كما الحبّ في شيء ...

فالدمعة المسجونة تغدو دمعتين ..

والآهة المكتومة تصبح آهتين ...

وللقلب الفقيد في القلب مكانين ...

والحاجة تصبح يومئذٍ حاجتين ..

فيصبح التلاقي أسهل .. والعيون تائهةٌ عن الأحباب تبحث ..

وأبواب الوصول إلى الأرواح مشرّعةٌ لكلّ وافد !

فاحذر يا صديقي .. في زمن الحرب ..

يوماً أن تحبّ .. فهو حيرةٌ وشكٌّ واحتراق !

⚫Nevada ||  نيفادا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن