ظلت تتقلب فوق سريرها يمينا ويسارا، تتصب عرقا، رغم أنها ترتجف من البرد، تتمتم بكلمات غير مفهومة أو مسموعة، يعلو صدرها ويهبط بسرعة جنونية كمن ظل يعدو مئات الكيلومترات، ظلت على تلك الحالة ما يقارب النصف ساعة، حتى احست بالاختناق فأطلقت صرخة دوت في جميع أنحاء المنزل، أيقظت بسمة من نومها فزعة فجرت نحوها وامسكت بيدها ولم تنطق كلمة، فقط اكتفت بالتربيت على يديها برقة، وهي مازالت تصرخ وتتأوه، حاولت بسمة ايقاظها فلم تفلح فظلت تمسك يدها حتى هدأت ولكن .. هذا ما يسمى بالهدوء الذي يسبق العاصفة .. قامت فجأة من السرير ونظرت حولها كمن يبحث عن شئ ما فحاولت بسمة أن تكلمها ولكن لم تعطها فرصة ..
نور: بسمة لقد كان هنا ثانية .. انظري الى ذلك على الأرض
بسمة: من هو هذا .. ثم اني لا أرى اي شئ على..
أوقفتها نور في صراخ: انها دماؤه الا ترين .. إنه ينزف بغزارة اتصلي بالاسعاف حتى ابحث عنه لا بدّ أنه في مكان ما هنا بالمنزل .. اسرعييي...
أنهت كلماتها هذه بقفزة من فوق السرير متجهة خارج الغرفة باكية تبحث عن اللاشئ وتنادي باسمه في حرقة ثم توقفت في مكان ما بالصالون وانحنت للاسفل وقالت بصوت مبحوح: إنه ينزف..سيموت مرة أخرى..هل تتألم يا عزيزي؟..لا تخف فالاسعاف على وشك الوصول وسيداوى جرحك وترجع الي..لا تخف انا هنا بجانبك..
ظلت تبكي وتحرك يدها في الهواء متخيلة انها تمسح رأسه .. كل هذا وبسمة تقف واضعةً يدها على فمها في ذهول ولم تدر ماذا عليها أن تفعل وهي ترى هذا أمامها فاتصلت بأحمد والخوف يكاد يفتك بها فلا يبدو على نور انها تكذب مطلقاً
بسمة: انجدني يا احمد انها تهلوس
احمد: من هي التي تهلوس اخفضي صوتك ستفقديني...
قاطعته بصراخ ايضاً: اقول لك أن نور تجري في المنزل تنادي على سيف وتقول انه ينزف وان علي الاتصال بالاسعاف كي لا يموت مرة اخرى وتحرك يدها في الهواء كمن يرى حقا شخصاً أمامه وسأموت هلعاً هنا وحدي
احمد: حسنا انا قادم لا تخافي..
بسمة: لا اتصل بصديقك هذا الطبيب النفسي
احمد: وهل انتكست مرة اخرى؟! لمَ اتصل به..فقط قيسي حرارتها ستجديها مرتفعة فهذا واضح أنه من اثر حرارتها المرتفعة..ثم انك قلت ان حرارتها كانت مرتفعة قبل أن تنام..
بسمة: لا اظن هذا فانت لم ترها ولكن سأعطيها خافضا للحرارة وانتظر ربما تهدأ ولكن تعال ولا تتركني وحدي فأنا لا اعرف ما افعل
أغلقت الخط وذهبت نحوها وامسكت بيدها في حنو قائلة: نور عزيزتي الإسعاف على وشك الوصول وسينقذونه فقط لا تحركيه كي لا تتسببي له في الأذى .. الست طبيبة وتعرفين أنه لا يمكنك تحريكه بلا مبالاه هكذا..هيا معي حبيبتي الى الداخل والاسعاف سيأتي قريبا
نظرت لها نور نظرة فارغة ولم تنطق بكلمه واستسلمت ليد بسمة التي جذبتها برفق للداخل..
بعدما تأكد لها كلام احمد أعطتها خافضا للحرارة ثم ارقدتها فوق سريرها ودثرتها وذهبت لتفتح الباب لاحمد الذي كان قد جاء بملابس نومه وشعره غير المرتب ممسكا بيده كيسا مليئا بالأدوية والمسكنات وجهازا لقياس الضغط مع بعض الحقن خافضات الحرارة وبعض المضادات الحيوية .. إجمالا، احضر كل ما يمكن أن تحتاجه من الأدوية ولحسن حظ نور انها رزقت بعمة لحوحة أرغمت احمد وبسمة على دخول كلية الطب ورغم أن احمد لم يكن راضٍ عن ذلك ولكنه شكر ربه في هذا اليوم على دخوله كلية الطب..
بعض أن انخفضت حرارتها سأل احمد بسمة إن كانت قد تناولت شيئا بعد رجوعها من المشفى فأخبرته انها لم تفعل فذهب إلى المطبخ وأخذ يغسل بعض الخضراوات ويقطعها معدًا حساء خضراوات الذي لطالما أحبته وتذكر تلك الليلة التي قرر أن يدخل مع نور وبسمة إلى المطبخ وكانت بسمة لا تعرف اي شئ عن الطهي فكانت نور تعلمها كيف تقطع الخضراوات، كانت تمسك بالسكين كطاهٍ محترف رغم أنها لم تكن تجاوزت الثانية عشر من عمرها تذكر كم كانت تضحك بعفوية على تقطيع بسمة كان يقف على مقربة منهما يمسك ورقة قلم ويدون المقادير وطريقة التحضير وكان سعيدا جدا بعدما انتهتا من الطهي وانتظر حتى نام كل من بالمنزل ودخل يحاول تحضير حساء الخضروات ممسكا بالورقة في يد والأخرى تعبث في التوابل والبهارات والخضروات، كان قد تذوق ذلك الذي أعدته أمه ولم يعجبه كما أعجبه حساء نور وقد علم انها تحبه فقرر أن يتدرب حتى يتقن صنعه كي يعده لها في يوم مولدها، ظل يدون العديد من الوصفات التي تحبها نور حتى جاءت ليلة مولدها فدخل المطبخ واغلق الباب وبدأ في التحضير طوال الليل ثم اغتسل وذهب لينام ليستيقظ باكرا كي يكمل عمله، استيقظ في موعده وذهب ليضع اللمسات الأخيرة ثم أحكم إغلاق كل الغرف حتى ينتهي وكما توقع قد نام الكل حتى فترة ما بعد الظهيرة لسهرهم طوال الليل، بعدما اكمل تحضير الطعام وأخرج الكعك الذي كان قد احضره بالامس وزين المكان وحضر تلك الهدية التي صرف عليها مصروف ٣ اشهر كاملة دخل ليفتح الأبواب في هدوء كي لا يوقظهم ثم أحضر بوقا وظل ينفخ فيه ليصدر صوتا مزعجا كما رأى في فيلم شاهده مسبقا، فوجدهم يخرجون فزعين بأعين حمراء وشعر غير مرتب وكان قد احضر كاميرا وعلقعها حول عنقه كي لا يلحظن أنه يصور ثم خرج يجري خوفا مما ستفعله نور به لأنه ايقظها بهذا الشكل...
فركت نور عينيها في دهشة تنظر حولها مصدومة، فبدأ احمد وبسمة يغنيان لها اغنية عيد الميلاد في فرح وسعادة وكانت نور شفتاها تكاد تتمزق من كثرة الفرح والسعادة كان هو حينها يمر باسعد لحظات حياته لأنه رآها سعيدة....
استيقظ من شروده على صوت صراخ بسمة:ايها الابله ماذا تفعل؟! أتقطع يداك؟!..
نظر احمد الى يديه فوجدها تنزف فوجد أنه قد أنهى حبة الكوسا وبدأ يقطع إصبعه عوضا عنها فألقى السكين بعيدا في غضب ووضع يده تحت صنبور الماء ليتخلص من تلك الدماء التي اغرقته ثم صاح في غضب: أود أن اعرف ماذا بها..لم لا تعيش كغيرها من الفتيات فقط دون أن تمر بهذا؟! ثم لماذا تركت المنزل لم لا تفشي كل تلك الأسرار لم فقط تقلقني وتجعلني افكر بها طوال الوقت! هل ادخلها مشفىً للأمراض النفسية..قال الطبيب أن الوحدة لن تفيدها وهي لا تستمع الي فقط تريد العيش وحدها حتى اني عرفت بشأن مرضها صدفة ولم تخبرني...اخبريها يا بسمة..اخبريها انها ستكون في خطر إن ظلت انطوائية بهذا الشكل..اخبريها أنني اخاف عليها.. اخبريها اني..اني....لا يهم فهي لن تأبه...
خرج مسرعا نحو الباب فرآها واقفة تنظر اليه كمن يستنجد بشخص خوفا من الموت
نور: اذا انت تعرف انني كنت اتعالج وانني مصابة بمرض نفسي؟! كنت تعرف ان الوحدة خطر على من هم في حالي وابتعدت انت واختك...كنت تعلم يا احمد؟!
احمد: اجل...وهل نسيتي اني ظللت اترجاك كي ترجعي للعيش معنا؟! انسيتي اني حاولت التقرب منك مرارا وانت ابعدتني
نور: لم أنس ايا من ذلك،لم أنس..انت الذي نسيت انك ابتعدت عني في أكثر فترة احتجتك فيها..حتى انني خلقت شخصية تجسدك ام أنها كانت حقيقة..لا اعلم حتى إن كانت حقيقية أم لا...اختلقت حبيبا يحبني كما تفعل لكن لا يتركني حين احتاجه..ومات دون أن أتأكد إن كان موجودا أم أن عقلي اختلقه...مات..أجل كما من انت متَّ في قلبي..ثم انت تعرف لم تركت البيت..أم أن ذلك أيضا قد نسيته؟!...ساذكرك...لأن تلك المرأة التي تكون عمتي امرتني بذلك بطريقة غير مباشرة..امرتني أن أبتعد عن ابنها الوحيد لأنها لا تريده أن يصبح مهووسا بي اكثر من ذلك لانني...لأني...لا اعلم لم ولكنها أرادت أن أبتعد عنك ولا يهمني ان اعرف السبب...
ثم لم تكن تلك فقط انا التي نفذت أوامرها فقد ابتعدت انت ايضا عني...اعلم ان كل هذا يوضع تحت مسمى الهراء والتفاهات ولكن ابتعادي هو سبب مرضي يا حضرة الطبيب والان انا حقا اود البقاء بمفردي..
احمد: اذا كنت تعرفين انني متيم بك وانني حقا طلبت من امي أن اقيم خطبة في سن مبكرة كي لا اخسرك..
نور: أجل وما الخطأ في ذلك لقد كنت تعلم بشأن مرضي ولم تتدخل ثم إ...
قاطعها صارخا: خفت أن تشعري بعدم لراحة لمعرفتي..خفت أن تبعديني عنك اكثر لذا تقربت منك بعدما تحسنت حالتك
نور: اذا ماذا الان..تود أن تدخلني مشفى للأمراض النفسية؟!
احمد ارجوك اذهب فانا اود البقاء وحدي حاليا..
احمد: أرأيت.. تعيدين نفس التصرف..حسنا يا نور ولكن أن خرجت من هنا فلن ارجع مجددا..
كصنم لا ينطق وقفت حتى ذهب احمد واغلق الباب بقوة فاقتربت بسمة تحاول مواساتها..فقالت نور مبتسمة..
نور: بسمة..اتمشطين لي شعري؟!..
ووقفت أمام المرآة وفكت ربطة شعرها واخذت تمرر اصابعها بين خصلات شعرها الطويل ذا اللون الاسود القاتم فامسكت بسمة بالفرشاة ومشطت شعر نور ثم جدلته ووضعته على كتفها فبدت ك رابنزل ذات الشعر الاسود ثم دخلت اخذت تضع بعض مساحيق التبرج فبدت كاميرة حسناء بوجه شاحب من الضعف ثم غطت شعرها واخذت حقيبتها ونزلت غير آبهة الى اي مكان ستذهب وبتلك التي ظلت تنادي عليها..
أنت تقرأ
تنهيدة تحت ضوء القمر
Randomام تكن الوحدة والعزلة يوما حلا لأي مشكلة فإن اصلحت شيئا فستفسد ألفا.. وان زرعت شيئا سيكون المًا وان علمتم شيئا سيكون حقدا وان تركت فيك بصمة فستكون بصمة مرض لا شفاء..