فكر سالم بأجمل ذكرى له ثم قال محاولا ان ينسي عمار: اجمل ذكرى لي عندما افتتحوا نادي تعليم السباحة للفتيان في قريتنا المتواضعة، حالما علمت طلبت من والدي ان يسجل اسمي مع المشاركين رفض في بادئ الامر ولكنني توسلته وبكيت عند قدمه حتى وافق ُمرغما،ركنت في العاشرة من عمري صغيرا ولم أجرب شيئاً مسليا غير حلب البقر، أتذكر اول خطوة لي بقدمي العاريتين فوق أرضية صالة السباحة، كانت باردة ورطبة مليئة بالنشاط تحثك على القفز في تلك البركة الزرقاء التي تشع تحت أضواء النيون البيضاء، فتقفز بحماسة ولكن بعدها بعشر دقائق يسحبك المدرب لأنك كدت تغرق، فتعود للتدريب لمدة طويلة وتتحسن بسرعة وتكون متشوقا ان تندفع في تلك المياه الواسعة الجميلة، وعندما تحين اللحظة المنتظرة تقف عند طرف بركة السباحة تتأمل المياه وهي تهتز بوقار، ثم تقفز كأول مرة، ولكنك الان واثقا من النجاح، يكون المشهد بطيئا في البداية حتى تغطس في الماء وتدخل المياه مسرعة لتبلل شعرك وترطب جسدك الحار، ثم يندفع جسدك بقوة معارضا التيار وتخرج رأسك بسرعة ليكون مشهدا بطيئا آخر تستنشق فيه الهواء وتعود لتغطس برأسك في البركة بقوة، تقترب من النهاية، تمد يدك الباردة البيضاء، تحاول ان تصل، تمدها بقوة أكبر وتندفع مرة أخرى وأذناك مسدودتان، ومن ثم تلمس الحافة وتفوز، تخرج رأسك لتتنفس بارتياح حينها، وُتخرج العصفور الازرق من صدرك عصفور الكدر والحزن، ليطير للمقابر وتعيش فيك الزهور وتنتصر للأبد!
فتح يديه باتساع مع ابتسامة كبيرة ثم أكمل بعدما جلس باعتدال: كانت افضل ذكرياتي في ذلك المسبح مع ذلك المدرب الاجنبي الذي يصرخ وهو يقول استمر استمر ستصل! وان وصلت ينفخ في صفارته لتطلق باقي عصافيرك الملونة الحزينة، وتشعر انك ملكت رصيدا لتعيش ليوم آخر ومهما ساءت حياتك ستجد المياه حينها جاهزة لمعانقتك
ابتسم عمار له ثم قال: لست ماهرا في السباحة ولكن مثلما يقولون استطيع ان أتدبر أمري
بدأ يعدان النجوم ويعلقان على المجموعات النجمية ان رأوها وبعد اثنان واربعون دقيقة ازدادت الرياح قوة وبدأت الاشرعة تتمايل باندفاع وكأنها ستسقط والقارب يهتز والامواج تعلو وتهبط بقوة كبير واصوات ارتطام الماء على القارب تصبح أقوى وأقوى، تكدست الغيوم في السماء وغطت النجوم كانت سحبا مثقلة بالعواصف، لم يحتاج عمار وسالم ان يوقظ الجميع فقوة الموج قد أيقظتهم فبدأ الاطفال بالبكاء والامهات يحتضن اطفالهن والرجال يحاولون السيطرة على القارب، تعلو بهم الامواج فيشعرون انهم سيقذفون للأعلى ثم يهبطون لأسفل وكأن البحر سيمسكهم ويرميهم في فهوته، واستمروا بحالة الفزع والخوف وبدأوا يتشهدون ويقرؤون ما حفظوا من القرآن، ويناجون ربهم بخضوع وخوف ولكن إرادة فوق كل شيء، فانقلب القارب عندما اندفع بقوة ليسقطوا في أعماق المحيط، ويكبلهم بمياهه ويمنع عنهم الهواء، لم يستطيع سالم وعمار ان يودعا بعضيهما أبدا فالموت كان اسرع منهما