3

58 11 2
                                    

فرد سالم جسد على القارب ومد يديه للسماء، للشمس التي بدأت تظهر لهم، مد يديه  لأقصى ما يستطيع وبدأ يحرك معصميه ببطء وأوشحة الشمس الصفراء العريضة تتسلل من بين أصابعه المعذبة تكونت في رأسه صورة ليد ملطخة بالدماء فانقبضت يداه وانزلهما بسرعة، أغمض عينيه محاولا  تذكر شيء جميل او شيء يضحكه ولكن قلبه آلمه وبدأت الامور الصغيرة المزعجة تتحول للأشياء الكبيرة التي تبكيه عندما ينظر للأعلى
بدأ القارب بالتمايل والرياح تنفخ هواءها بقوة على اشرعتهم، وبدأت السماء بلونها القرمزي والاصفر تتداخل بانسجام وتخرج من منتصفها الشمس الباردة، كأن السماء تحتضن الشمس قبل غروبها، أصوات الامواج تضرب بخشب القارب وبعض والاطفال والامهات ينامون على طرف القارب، بروية شديدة اختفت الالوان وغطست الشمس في البحر كحلوى تسقط على شاطئ البحر، وتختفي!
كان الليل صاحب المفاجآت فتناوب الرجال في القارب على ان يحذروا الباقين من أي عاصفة قادمة او من أي رائحة للجثث، وفي منتصف الليل كان دور عمار وسالم قد حان، فاستيقظا بتعب وبدأت بمناوبتهما وهما يتثاءبان وبعد بضع دقائق قال سالم لعمار متسائلاً : أخبرني عن إحدى الذكريات التي لا يمكن ان تنساها أبدا؟

نظر سالم الى شعر عمار المائل للشقرة ولوجهه المتسخ الأبيض وانفه الدقيق وعيناه البندقيتان، كان عمار في الثانية والعشرين من عمره حسبما تذكر سالم ماتت عائلته وعمره ثمانية عشر عاما أي قبل أربع سنوات، وسالم فقد عائلته قبل أربعة أسابيع

قال عمار ليقطع أفكار سالم: أتذكر أيام الصيد مع والدي، عندما كنا نخيم في احدى المناطق القريبة لنصيد الطيور والارانب، بالنسبة لوالدي ان لم تكن تستطيع حمل سلاح فإنك دون فائدة، علمني كيف يمكن للمرء ان يعيش في أحلك الظروف وان يتقوى مهما ضعفت الاشياء من حوله وان يحاول تدم التفكير بالألم حتى لو باغته،  لأنه كلما فكر فيه كلما زاد حزنه

لمعت عيناه وابتسم ينظر للأسفل ثم استأنف: كان أبي صيادا وعاملاً في شركة للكهرباء وكان دائما ما يقول انه عمل لم يتوقعه أبدا فكان يظن انه سيصبح فلاحا فقيرا يبيع صندوقين من التفاح كل أسبوع ولكنه وفر لنا حياة كريمة وصار يحضر صندوقين من تفاح الفلاح كل أسبوع، حتى ماتت امي فتغير حاله ولان عوده وساءت صحته فطردوه من العمل وبدأ الحزن يسرقه منا، ولا يمكن للمرء ان يتخيل ما يستطيع الحزن ان يأخذ منه في لحظة، وإن الموت  لمخيف يا صديقي يكون احبابك معك ويبتعدون بعيدا عنك بعد لحظات، أقول لك هذا من واقع حياتي، الامر تماما كوفاة أمي من كان يظن انها ستموت من حمى بسيطة؟ بعدما كانت معنا بالأمس حين طهت اخر دجاجة طرية وقبلتنا قبل النوم، وحينما استيقظنا من قبلتها وجدناها رحلت بضعف وسريرها رطب من شدة تعرقها، كأنها تلاشت من بين ثيابها وطارت، ولكنها لم تشهد الحرب لم ترى طفلتها وزوجها يموتان لم تعلق في الحطام  لأيام وتموت لم تحس ان العالم انطفأ فجأة وان الأمل معدوم، لم تشعر أمي انها  لاجئة! واظن موتها بتلك الحمى أبعدها عن ذلك الشعور المؤلم
المحزن في هذا الأمر أنني لم أودعها لقد قبلتني كان هذا وداعها لي ولكنِّ لم أحتضنها ولم اقبلها، تلاشت عند الفجر ولم تعد

أنهى حديثه بابتسامة باردة وكأن هنالك رياحا متجمدة هوت في قلبه

اثنان واربعونحيث تعيش القصص. اكتشف الآن