البحث عن وهم

7.7K 145 1
                                    

الآن ..ماذا؟
لم يكن لأناقة غرفة الجلوس الفسيحة في منزل هايدن جاكوبس أي تأثير عليها وذلك للهوة التي يستحيل طمرها بين الرجل الذي عرفته وأحبته في العالم الرائع لجزيرتها الاستوائية ،وبين ذلك الكاتب المتعجرف، المليونير المشهور.
حسنا جدا.. لقد حققت ما صممت أن تفعله ،لكنها الآن لا تعرف ما يجب أن تفعل بعد ذلك. فهي لم تفكر الى أبعد من نقطة اختراق عزلة هايدن جاكوبس الخاصة ..اذ كان هذا هو الهدف الوحيد الذي أبقاها حية منذ أن اكتشفت أنه مايلز.
انها لم تتخل أبدا بعد أن غادر مايلز الجزيرة، عن أملها في عودته.. و كان ليون بعد عودته في اجازة للجزيرة ،وقد أقلقته حالة أخته العاطفية ، هو الذي أخبرها أخيرا عن هايدن جاكوبس.. لقد كان في لندن حين تفجرت الصحافة الانكليزية بالعناوين الأولى والصور عن المليونير المفقود، وعودته المعجزة الى عالم الأحياء ..ولم يمر وقت طويل حتى عرف فيه الرجل الذي كانوا عرفوه باسم مايلز.
قال لها بقسوة:
ـ مايلز مات.. لكن بالنسبة لك ..كما أنت ميتة بالنسبة له.. لقد وجد ماضيه ياادنا.
كان مصمما على انتزاع أخته من حلمها اليائس.. وأكمل بصوت لطيف:
ـ لكنه خسرك.. اما أنه نسيك أو يحاول أن ينسى كل شئ حدث له منذ رماه الموج على جزيرتنا ..قالت الصحف انه يرفض اعطاء أية معلومات عن الستة أشهر الذي غابها، لكنني أظن أنه أصيب بنوبة فقدان ذاكرة أخرى ،لم تبق شيئا سوى ثقب أسود لأيامه في سانت باتريك.
لكن نظرة ادنا الميتة الجامدة أرعبته ..و سألت:" من هو ..يا ليون ؟".
فقال لها ليون كل ما يعرف ،ولم يخ.ف عنها شيئا ثم أكمل:
ـ هكذا ترين ياحبيبتي.. أنها قضية خاسرة ..انه لا يحتاج اليك الآن ..لقد عاد مرة أخرى ذلك الرجل الشهير الثري الصحيح الجسم ،وقد يرتاب بأي شخص قد يدعي معرفته به خلال فقدانه الذاكرة ،حتى ولو أقنعته أنك كنت مهمة له وقتا ما.. فأنا واثق من أن لا مكان لك في حياته الآن، لذا تقبلي الواقع وحاولي نسيان أنك قابلته يوما !
لكن ادنا لم تفعل هذا .وحين استعد ليون للعودة الى انكلترا ،،تركت سانت باتريك معه مصممة على شق طريقها بقوة الى ذاكرة مايلز ،مهما كان الثمن الذي ستدفعه، ولم تجد صعوبة في جمع المعلومات عنه.. وكما حذرها ليون ،كان شهيرا جدا قبل اختفائه ،وأصبح أسطورة منذ ذلك الوقت، و عرفت أنه متحدر من عائلة قديمة ارستقراطية ..والداه ماتا وهو طفل ورباه اثنان من أعمامه، تمكنا من تبديد ما تبقى من ممتلكات العائلة ..لكن مع عبقريته في الكومبيوتر ،ونزعته التجارية اللامعقولة.. أعاد هايدن اسم عائلة جاكوبس وثروتها الى أكثر مما كانت عليه من مجد سابق وقد بلغ الثلاثين.. اكتشفت أنه لم يتزوج أبدا ..كان هناك بضع شائعات حول خطوبة مبكرة لاحدى قريباته البعيدات ،و تدعى باولا جاكوبس ،لكن الخطبة كما يبدو، فسخت قبل رحلته الغامضة ،كما تميل الصحافة الى أن تصف اختفائه.
فهمت من المقالات العديدة ،أن هايدن جاكوبس كان يوما عابثا مجنونا..هكذا ابتلعت كرامتها، واستخدمت نفوذ عائلها،وعلاقاتها الاجتماعية ،ووكيل أعمالها دويل فرانسيس من بينهم، مصممة على أن تتعرف اليه اجتماعيا، لكنها هنا أيضا اتضح لها أنها في الاتجاه الخاطئ..فواضح أن هايدن جاكوبس، تخلى عن دائرته الاجتماعية..وحسب قول الصحافة كان يقضي أكثر أوقاته على متن يخته. و نادرا ما يزور بريطانيا.
باختصار كان بالرغم من كل شهرته، لا يمكن الوصول اليه.
بعد سنتين من هذا ،قدمت الفرصة نفسها لها..فقد عاد هايدن جاكوبس الى لندن ككاتب. وبمساعدة الحظ الحسن اختار دويل فرانسيس ليكون الوكيل الذي يمثله.
كانت واثقة جدا ..ومتفائلة الى حد السذاجة حين هاجمت ذاكرة هايدن جاكوبس المغلقة أول مرة..و ها هي الآن تجفل،تذكرة الألم الحاد والاذلال اللذين أحست بهما في أول لقاء لها مع عيني الكاتب الزرقاوين الخاليتين من أية مشاعر..ثم، مثله مثل اليوم، صرف النظر عنها دون أي أثر للتذكر.
وحدث هذا قبل بضعة أسابيع، كان دويل فرانسيس وهايدن جاكوبس يتناولان الغداء مع مخرج سينمائي واقترح دويل عليها أن تظهر في المطعم وكأنما بالصدفة، ليتمكن من تقديمها.
على عك اليوم ، فعلت ما بوسعها لتظهر كما كانت أيام سانت باتريك..وتذكرت كم أحست بالسخافة في ثيابها الواسعة الشعثاء وسط رواد المطعم الراقي. لكنها جلست تنتظر دويل فرانسيس ليقدمها له.
عند رؤيتها عينيه الزرقاوين تزدادان سودا كأنما تكدره ذكرى مرتبكة ..ظنت أن اسمها اخترق ذاكرته الميتة..وبسذاجة حمقاء، ابتسمت له كما كانت تفعل في الماضي..لكن لم يتجاوب معها ببسمة مثلها..وبقي وجهه باردا سلبيا الى أن تلاشت ابتسامتها في هزيمة محرجة.
وكان هذا فشلا مذلا..ولم تتمكن الا من اثارة ارتياب هايدن وازدرائه..ومثله مثل المنتج السينمائي اللذين كانا يراقبان محاولتها الخرقاء لفتنته..ظنها هايدن مجرد فتاة مولعة بالنجوم، تحاول أخذ فرصتها معه.
مع ذلك رفضت الاستسلام ..حين سمعت بتعديل نص قصة الجزيرة الضائعة ليصبح سيناريو لفيلم سينمائي، قفزت تتمسك بآخر بصيص أمل.
ـ آنسه جايمسون !
صوت جويس المرتفع الحاد، جاء من ورائها، ليخترق الضباب الذي غطى أفكارها المؤلمة .
ـ هل أنت بخير؟
رفعت ادنا نظرها، وجنتاها مخضبتان باحمرار قاتم ..آخر ما تحتاج اليه أن تفاجأ وهي تحلم أحلام اليقظة في غرفة جلوس الكاتب. لحسن الحظ كانت جويس هي التي فاجأتها وليس هايدن جاكوبس.
نظرت جويس بلهفة الى الفتاة الأكبر سنا:
ـ أكان هايدن فظا معك ؟أنا آسفة ..انه مستبد في بعض الأوقات !
ـ أوه..لا..لا..لاعلاقة لما..للسيد جاكوبس بشئ.
وقفت على قدميها مكملة:
ـ لم أكن متأكدة ما اذا كان علي أن أنتظره..لقد تركني فجأة..أترين؟
تبدد عبوس جويس على الفور :
ـ أوه..لا بأس في هذا اذن..بدوت لي حزينة جدا وأنت جالسة هنا ..ظننتك لم تفهمي أنك حصلت على العمل. لقد قابلته قبل رحيله، وقال انك مقبولة..وبالطبع تعرفين لماذا..أليس كذلك؟
وابتسمت بطريقتها الطفولية تذكر ادنا بنفسها:
ـ انها ضحكتك ..وهذا واضح !
رمقت ادنا الفتاة مفكرة،متعجة من دقة حسها ،وضحكت:
ـ لا أرجو هذا ..لا شك أن لديه أسبابا أفضل..فلو كانت ضحكتي فقط، لكان استخدمك أنت.
ـ أوه..أنت تعرفين ما أعني،فأنا واثقة من أنك سكرتيرة متفوقة..لكنني أراهن على أن ضحكتك هي السبب، واسمك بالطبع، ان رواية "العاصفة "هي أفضل رواية عنده.
فجأة نظرت الى ادنا نظرة غريبة وأكملت:
ـ انه اسم غريب، أليس كذلك؟
بدأت ادنا تتجه الى مدخل الردهة، وهي تزداد قلقا لدقة ملاحظة الفتاة.
ـ يجب أن أذهب الآن..سيكون لدنا وقت كاف للحديث غدا.
تجمدت عينا جويس:
ـ أوه لا..لن يتوفر لنا وقت لهذا..فما ان تبدأي العمل لن يعو لي عذر للمجئ الى هنا..انه لا يحب العائلة كثيرا و..وأنا من العائلة تقريبا.
ـ لكنه بكل تأكيد يحبك.
ـ لأنني فقط أذكره بشخص ما..انه..
صمتت جويس ثم استدارت لتنظر الى ادنا..للحظات بدت وكأنها ستقول سر فقدان هايدن لذاكرته، لكن صوت وقوف سيارة في الخارج أنقذها..وقالت لصديقتها الجديدة:
ـ لا شك أن هذه باميلا.لا يجب أن تبالي كثيرا لو أنك رأيتها غير ودودة في البداية..لقد مر هايد ببعض التاعب مع سكرتيرته الأخيرة، وتميل باميلا لأن تكون شكاكة بكل امرأة تأتي الى هنا..لكنها محبوبة فعلا، وأنا واثقة من أنها ستحبك ما ان تعتاد عليك.
ثم قطبت تصغي الى الصوت المرتفع الرتيب لوقع خطوات بحذاء عالي الكعبين، تسرع فوق الباحة المرصوفة خارج الباب الأمامي.
ـ لا يبدو أن هذه باميلا..عجبا..أوه..انها باولا !
دخلت امرأة بنية الشعر، تخلع عن كتفيها معطف فرو ذهبي اللون،برشاقة عارضة أزياء، كانت احدى أجمل النساء اللواتي رأتهن ادنا في حياتها ، لكن الوجه الرائع الجمال الذي أدارته نحوها، بدا متعاليا كئيبا .
قالت جويس بصوت مغيظ حاد:
ـ أوه..تبا..انها باولا..ماذا تفعلين هنا؟
التفتت عينا المرأة الجميلتان الخضراوان المزينتان الى الفتاة الشابة:
ـ أرجوك..لا تستخدمي هذه اللهجة معي..يافتاة ..أين خالك؟
ردت جويس باختصار:"خرج..وهذه ادناجايمسون..".
واستدارت الى ادنا بتردد ظاهر.
ـ هذه باولا جاكوبس.
تشدقت المرأة في كلامها قائلة:
ـ باولا بارتود..أفضل أن أدعى باسم عائلة زوجي السابق.فهناك أسر كثيرة من عائلة جاكوبس تنتمي لأصولنا.
وبسرعة تذكرت ادنا أن هذه هي "ابنة العم البعيدة"التي قل ان هايدن كان مخطوبا لها في شبابه.
وتابعت ابنتا العم حديثهما،متجاهلتين وجودها..وكانت باولا تقول:
ـ ياللازعاج..قال لي انه سيكون هنا بعد الظهر..جئت أتكلم معه حول حفلة نهاية الأسبوع..هل تمكنت من اقناعه بها؟
هزت جويس رأسها نفيا باستياء، فأكملت المرأة تسأل:
ـ ولماذا بحق الله؟ على أي حال، انها حفلة يوم مولدك ،وليس مولدي.
ـ لا أريدها ،ولا يريدها هايدن كذلك..اضافة الى هذا، يمكنك مناقشة الأمر مع ادنا..انها سكرتيرته الجديدة.
ردت باولا بابتسامة آلية:
ـ أوه ..حقا؟أتمنى أن تكوني أفضل من الأخيرة، فقد كان العمل آخر اهتمام لها..أين تعيشين؟
ردت ادنا باختصار:"في لندن".
لم تكن في حياتها قد خوطبت بمثل هذه الطريقة الفظة المتعالية. وبدا الارتياح على المرأة:
ـ حسنا جدا ..أنت اذن لن تقيي هنا.
تدخلت جويس متحدية:
ـ ستقيم هنا ..ستنتقل في الغد ، وتعمل مع هايدن في تحول قصته الى سيناريو.
نظرت المرأة اليها بقسوة:
ـ أوه..حقا؟حسنا..لن يمنعك هذا من الاهتمام بعلاقات ابن عمي الاجتماعية..وأتوقع منك أن تساعدينا في ترتيبات يوم مولد جويس التاسع عشر..فأنا أفضل أن لا أزعجه في أمور كهذه.
بدت فجأة متوترة بالرغم من تفوقها المتحفظ، وأدركت ادنا أن المرأة تخاف من ابن عمها المهيب. فردت بخشونة وهي تحس بالأسى على الجميلة:
ـ سأكون مسرورة..ربما سنتحدث بهذا في الغد.
لكن باولا لم تنته بد، وكافأت ادنا بابتسامة حلوة:
ـ أتمنى أن تستمتعي بعملك.هايدن رجل ساحر..ألا تظنين هذا؟
وكان هذا تحذيرا، لاسؤالا..ردت عليه ادنا باتسامة مهذبة وهي تتجه الى الباب الأمامي:
ـ لقد تعرفت اليه لتوي..لكنني أعرف أنني سأستمتع بالعمل في كتابه..والآن..أرجو المعذرة..
لاحقتها نظرات باولا القاسية المشككة حتى سيارتها..وتساءلت عما اذا كان هايدن ،وقد عاد من "رحلته"يفكر مجددا بخطوبته المفسوخة..فالقلائل من الرجال يمكنهم مقاومة جمال باولا الواثق من نفسه.
كان شقيقها ليون، في المنزل حين وصلت، ويكاد يموت جوعا..قال لها وهي تدخل:
ـ لقد تأخرت..كنت على وشك البدء بتناول العشاء لوحدي، ماذا حدث لك؟
رمت ادنا حقيبة الكتف الكبيرة، وعدة ملفات على منضد الدهة:
ـ اضطررت لمقابلة شخص ما بخصوص عمل..ولست جائعة.تناول أنت طعامك..سأتناول شيئا بسرعة فيما بعد.
ـ أو..لا..لن تفعلي هذا..دجاجتي المسلوقة تستحق بعض الاحترام..لقد عانيت مشقة كبيرة في اعدادها.
ـ حسن جدا أيها المستبد، سأحضر نفسي في دقيقة.
ناداها وهي تجرجر نفسها متراخية:
ـ هاي..هل هنك مايسوء ؟تبدين غريبة.
استدارت تنظر الى وجهه القلق:
ـ ليس سيئا بالضبط..لكن..سأخبرك ونحن نتناول الطعام.
كانت تحمل مخطوطة كتاب سميكة في يدها حين انضمت اليه في غرفة الطعام الصغيرة حيث يتناولان وجباتهما عادة..وسألها:"ما هذه؟".
وسكب لها كمية طعام كبيرة في طبقها.
ـ قصة لم تنشر بعد:"الجزيرة الضائعة".
ضحك بنعومة:"تبدو لي وكأنها موطننا".
سألته بلهجة حذرة:"هل سمعت بها من قبل؟".
ـ لا أظن هذا ..من مؤلفها؟
منذ تركت منزل هايد جاكوبس، كانت تتسائل عما اذا كانت ستطلع ليون على سرها..وها هي فرصتها..لكن شيئا كان يصدها.حتى الآن، كانت تشاركه كل الخطط المتعلقة بمايلز، وتشركه في آمالها المتصاعدة، وتبكي على كتفه بعد كل فشل يحطم قلبها. ولاتظن أنها قادرة على تحمل توبيخ ليون ..أخيرا قالت:
ـ أه..أنت لن تعرفه..هذه أول قصة له.
ـ وهل كلفت بكتابة السيناريو؟
فاسترخت تعابير وجه ادنا الحذرة:
ـ ليس حقا..أنا مجرد شبح..حتى ولا هذا، سمني موظفة لها اسم سكرتيرة..فقد أعجبني الكتاب.
تابعت تعطيه المعلومات عن الكتاب والعمل قبل أن يسألها، ثم أكملت:
ـ ثم أنا بحاجة الى الخبرة..والوظيفة لم تصبح لي بعد ..سأمر باختبار أولا.
وقفت تجمع الأطباق المتسخة متجنبة العينين الضقتين المفكرتن.
كان احساس ليون القلق يزدادعمقا وهو يراقبها ،بعد قليل جلست على الأريكة قرب المدفأة المشتعلة، منغمسة بقراءتها للمخطوطة، تقلب صفحاتها واحدة واحدة بسرعة مذهلة، تتوف بين فترة وأخرى، تسجل ملاحظاتها على دفتر صغير.
أخيرا سألها وقد احظ الكوة الكبيرة من الصفحات على الأرض:
ـ ألست تقرأينها بسرعة؟ لا أستطيع أن أصدق أنك أنهيت كل هذا في ساعة واحدة.
رفعت رأسها اليه مفكرة لحظة:
ـ أوه ..أنا لا أحتاج سوى لقرءة آخر الفصول..وأنا الآن أراجع أول قسم لأرى اذا كان هناك أي تغيير في النص الأصلي.
ثم عادت الى القصة وهي تبتسم له،فسألها مجددا:
ـ أنت تعرفين الكاتب منذ فترة..أليس كذلك؟
ارتفع رأسها بحدة وذهول:
ـ ماذا؟..ما الذي جعلك تقول هذا؟
كانت عينا ليون تراقبانها بشئ من الريبة:
ـ كيف تفسرين اذن واقع معرفتك بالنص الأصلي للقصة؟
للحظات أحست برغبة لقول الحقيقة..كنها سرعان ما قررت أن تلتزم قرارها الأول..يجب أن تمر بهذا وحدها هذه المرة..وسمعته يسأل بلطف:
ـ أتودين أن تخبريني بالأمر؟
هزت رأسها:
ـ ليس بعد ليون..ليس قبل أن أعرف ين أقف.
اتصل بها دويل فرانسيس،فيما بعد، ذلك المساء. يبدو أنه تكلم مع هايدن جاكوبس، واستطاع أن يعطيها كل التفاصيل العملية التي نسي الكاتب أو رفض ،نقاشها معها. ولم تكن بحاجة الى تأكيد منه بأن فرصتها للاحتفاظ بالعمل ضعيفة جدا.
ـ أنا لن ألغي أي عقد لك الآن يا ادنا..جاكوبس ينوي مغادرة لندن بعد عشرة أيام، سنعرف خلالها اذا كنت ستبقين أم لا .يجب أن تجعلي من نفسك سكرتيرة لا غنى له عنها اذا كنت تريدين الاستمرار.
ـ أعرف..ولا أظنه مسرورا كثيرا بتصوره قضاءه عدة أسابيع وحده معي على متن يخته.
ساد صمت قصير من الناحية الأخرى للخط، ثم:
ـ هل سبب لك وقتا عصيبا؟ لا يجب أن تنزعجي منه يا عزيزتي، انه رجل عظيم وتعرفين هذا..انه ألطف بكثير مما يظهر.
ـ أعرف عن فقدانه للذاكرة يادويل..فقد أخبرني بنفسه.
بدت الدهشة على صوت الوكيل:
ـ أحقا فعل هذا ؟ حسن جدا ..انه على الأقل يثق بك.
ضحكت بمرارة:
ـ أوه..لا..لايثق بي..يظنني أسعى وراءه،أو وراء ماله،ويعلم الله ماذا غير ذلك..
فحاول الصوت الجاف تهدئة غضبها:
ـ لديه أسبابه يا حبيبتي..انه محاصر من الناس، والنساء خاصة، والكل يدعي أنه كان يعرفه خلال أشهر الضياع،ويحاول ابتزازه..ولو كان سيصدقهم، لكان له دزينة زوجات على الأقل..هذا الى عدد من الأولاد..
أجفلت ادنا :
ـ يا الله ! لم أفكر بهذا أبدا ..ظننت أن لا أحد من المفترض أن يعرف..
ـ لم ينشر هذا في الصحف لحسن الحظ..لكن هايدن ارتكب غلطة بارسال شرطة تحري ومحققين خصوصيين لكل جزيرة من جزر المحيط الهندي ،محاولا أن يجد ماحصل له خلال الأشهر التي تلت تحطم طائرته،وهذا آخر شئ يذكره قبل أن يفقد ذاكرته..لا يستطيع الكثير من الناس مقاومة فرصة الحصول على بعض المال..لكنه طر الجميع طبعا..انما لا يمكن لومه لارتيابه وحذره..خاصة مع امرأة مثلك.
ـ ماذا تعني ..امرأة مثلي؟
حسن جدا..أنت شابة جذابة، ولو عذرت عجوزا على قوله، لم تكوني ماكرة جدا في الطريقة التي حاولت فيها جذب اهتمامه..وفوق كل هذا عزيزتي، يعرف أنك قادمة من السيشل..فماذا تتوقعين اذن؟
تأوهت بتعاسة:
ـ ليس أكثر مما حصلت عليه ..أعتقد..بدأت أفهم الآن لماذا نظرت الي عائلته بارتياب أيضا.
ـ ليس جويس الصغيرة ..بالتأكيد؟
ـ أوه لا..ليس هي. لكن احدى بنات عمه..لقد حذرتني تقريبا أن أرفع يدي عنه.
وامتنعت عن تسمية باولا خوفا مما ستسمع.
ـ لا تقلقي من عائلته..كلما كان اعجابهم بك أقل، كان هذا أفضل..انه لا يخفي كراهيته لهم. ولا عجب في هذا..لقد تصرفوا بشكل مخجل خلال فترة فقانه وحين عودته كذلك.
ـ هيا الآن يا دويل..لاشك أن السعادة غمرتهم لعودته؟
ـ لا يمكن أن تكوني مخطئة أكثر من هذا. لقد كانوا مستائين جدا حين أدركوا أنهم سيضطرون الى التخلي عن المال الذي ظنوه أصبح لهم.حتى مالكولم، الذي عامله دائما كأخ له، كان متعلقا بحب مركزه الجديد كرئيس لأمبراطورية جاكوبس وتكدر جدا لتلقيه خبر عودة هايدن من بين الأموات. انها ليست عائلة حقيقية له يا ادنا. مجرد أبناء عم من بعيد يعيشون عالة عليه منذ سنوات ،ويستنزفونه.
ـ أنا ..لم أكن أعرف هذا يادويل..ما أفظع ذلك.
وتنهدت ،ثم تابعت:
ـ أتمنى لو لم أقنعك بأن تتدبر أمر لقائي به.
ـ حسنا، الأمر متأخر جدا الآن يا ادنا .ويجب أن تثابري على عملك..ولأجلي أنا، لا تجعليه يندم على قراره..قد ينتهي بك الأمر الى اكمال السيناريو معه، وهذه هي النقطة الرئيسية بالنسبة لي .هل قرأت الكتاب؟
ـ لا تقلق..سأنهيه ولو أمضيت الليل كله.
ـ فتاة طيبة ،لكن حاولي أن تنامي..ستحتاجين الى قوتك في الغد يا عزيزتي. اذا ظننته قاسيا اليوم، فانتظري لتري ما هو مخبأ لك، ما ان تبدأي العمل له.
***

سقط سهوآ _ناتالي سبارك _حيث تعيش القصص. اكتشف الآن