أدخلي سجني بسلام

7.1K 131 2
                                    

كانت ساره تشتعل بالغضب كنمرة في قفص زوجها رالف يتغدى مع صديقته أديل في بيتها , بينما هي حبيسة المنزل لا تجد من تتكلم معه سيى مرتا وجورج
- ليتني لم أتزوجه!
صرخت من غضبها, ولكنها لا تستطيع ان تتصرف خلافا لذلك والدها مريض وزواجها كان الحل لأنقاذ حياته
وقفت ساره أمام النافذة تمتع ناظريها بالمناظر الخلابة, التلة تكسوها الأشجار وضفة النهر الخضراء حيث ترعى الخيول قرب ملاعب الألعاب الأولمبيه هنا تختفي كل الضغائن والخصومات بين المدن اليونانية خلال فترة الألعاب, خمسة أسابيع كاملة ويسود السلام
شرد ذهنها وتبخر غضبها وهي تتذكر منذ أسبوع حين داوى لها رالف كتفها من حروق الشمس غصبا عنها لقد هددت وتوعدت عبثا, وتذكرت مؤخرا حين تناولت الشاي برفقته في الحديقة , كيف كانا يتناحران بألسنتهما بطريقة طريفة وبعد ذلك تناولا العشاء سوية كان رالف رقيقا مهذبا في تصرفه مثله في ليلة الزفاف كأنه يواسيها ويحاول ان يعوض عليها ما فاتها تمشيا بعد العشاء قليلا وحين دخلت ساره معه بوابة هيكل حيرا شعرت ان كل غضبها قد مات كان رالف يشرح لها عن بقية الأثارات , البريتانيوم حيث يجلس مدعو الشرف , وحيث كان يقام العشاء الأحتفالي في ختام الدورة , وتعلن اسماء الفائزين ويتسلمون جوائزهم الفيليبيون وهو مركز الأدارة المالية ويتضمن ايضا الملاعب المخصصة للتمارين اليومية هناك باحات كبيرة يتمرن فيها اللاعبون لأسابيع عديدة قبل يوم المباريات وجميع هذه الباحات مسحتها مياه نهر كلاديوس كان النهر يفيض بفعل الأمطار الغزيرة وتجرف المياه كل ما تجده في طريقها وتسبب الأضرار ألفادحة تمشيا في آثار هيكل حيرا الذي بني منذ حوالي 3 آلاف سنة ثم دخلا عبر قنطرة تؤدي الي الأستاد الكبير حيث كانت تقام معظم المباريات 
تناولل عشاءهما باكرا قبل القيام بهذه النزهة وحين وصلا الي منطقة الأثار كانت الشمس تملأ المكان وبقي علي موعد مغيبها حوالي الساعة هنا وهناك بقايا الأعمدة المحطمه فوق الأرض , اعمدة كلسية بيضاء تعكس اشعة الشمس وتزيد الشعور بالهدوء والسلام 
الجو ساكن ومنعش وتعطره رائحه اشجار التنوب والصنوبر التي تحيط ببساتين منطقة التيس , الأزهار البرية تساهم كذلك بروائحها المختلفة ولا تسمع سوى اصوات الحشرات التي تطير حولهما وبعض العصافير تعود الي أعشاشها في اشجار منحدرات جبال كرونيون المرتفعة فوق الأثار, قطع رالف الصمت قائلا:
- افضل مكان في العالم للتآخي , هل تشعرين يا ساره بالسلام ام انت قوية ولا يؤثر فيك هذا الجو؟
لقد تأثرت ساره بهذا الجو الشاعر ولذلك لم ترغب في ان تجرحه بكلماتها اللاذعة هذه البقعة في اليونان هي رمز الهدوء والسلام تذكرت حياتها الصاخبة في يوركشاير, ومرحها مع حشد الشباب في الحفلات التي تمتد الي آخر الليل, اشتاقت لحياتها السابقة ولكن بدأت الشمس تميل الي المغيب وجه زوجها في الغسق الذهبي اخذ طابعا لينا , وقد شعرت نحوه بأنجذاب قوي, كانا يقفان وسط أثار هيكل زيوس ومن بعيد وصل اليهما عزف مزمار لأحد الرعاة ابتسمت ساره ومع صوت المزمار اكتمل المنظر الخلاب لجبال اركاديان حيث الحوريات كأنها تراقص الرعاة علي موسيقي بان رمز الغابات والمراعي عند الأغريق 
- لم تجيبي علي سؤالي يا ساره؟ هل أثر فيك هذا الهدوء ؟ هل تمنعك كبرياءك من الأعتراف بضعفك حياله؟
عبست ساره وأحست بالألم يعصف بها, لم تدر مالذي يوجعها؟
لا يمكن ان يكون شيئا تفوه به رالف لأن كلامه لم يعد يجرحها او يؤثر فيها 
- انه هادئ 
اعترفت له , وسمعته يزفر زفرة ارتياح وارتسمت علي وجهه علامات الرضى والأنتصار وفي عينيه تعبير غريب ينم عن السخرية 
بدأ الظلام يخيم فوقهما والقمر يلون السماء بنوره البنفسجي تحيط به بقية النجوم بنورها الخفيف وتزيد المكان سحرا وشاعرية لأول مرة شعرت ساره ان الضغينة قد اختفت تماما في علاقتهما وقال رالف:
- لقد أثرت فينا الهدنة لم نرم بعضنا ولا بحجر واحد منذ أكثر من ساعة ونصف 
ساعة ونصف هو أقصى ما يستطيعان من هدنة لأنه قبل انتهاء الأمسية دارت معركة كلامية بينهما , ومنذ ذلك الوقت عاد رالف يعاملها كسابق عهده, لا يهتم لأمرها ولا يتكلم معها الا عند الضرورة القصوى, او ليقول لها مساء الخير اكثر الأحيان يبقى خارج المنزل وبصحبة أديل واذا بقي في المنزل تحضر أديل اليه ويتصرف تجاهها هي بعدم اكتراث وببرودة اذا انفردت بأديل تبدي نحوها الأخيرة كل خشونة وتحد عن تعمد لم تشأ ساره ان تعاملها بالمثل ولكن صبرها بدأ ينفد وستنشب معركة عما قريب بينهما واذا حصل نزاع بينهما , جانب من سيأخذ رالف؟ لا شك انه يحب أديل كثيرا عبست وهي تفكر بهذا الوضع المحرج وفكرت اذا كان رالف يحب أديل فلماذا لم يتزوجها من قبل؟ ولكن شقيقه اليكس قد اخبرها ان رالف لا يؤمن بمؤسسه الزواج مع انه يحب النساء وله علاقاته لقد اخبرها اليكس بأن رالف لن يتزوج ولكن الظروف قد اجبرته علي تغيير رأي 
تركت ساره النافذه ونظرت الى فستانها الموضوع فوق السرير،انه اجمل اثوابها لماذا اخرجته من خزانتها؟هل يعقل انها تفكر في ان تلفت نظر رالف اليها , سوف يخيب ظنها اذا لحظها واعجب بها 
سيكون كريها اعجابه او اهتمامه بها ولن تشعر بالاطمئنان اليه 
وبدون وعي لمست ساره كتفها حيث الجرح الذي داواه لها رالف وقد شفي تماما , ونظرت مجددا الي ثوبها الأزرق بلون عينيها يعكس لونه فوق بشرتها الشاحبة العاجية ويزيدها جمالا وخلعت ثوبها واعادته الي مكانه في الخزانة, فهي لا تريد ان تلفت انتباهه اليها كانت ساره تعتقد ان رالف باق في المنزل , اذ امضى بعد الظهر مستريحا يتشمس في الحديقة , يلبس بنطلونا قصيرا وخفا مريحا جلست تقرأ وهي مسرورة يغمرها شعور الأطمئنان تناولا الشاي سوية وعاد رالف لغرفته ليبدل ثيابه وكذلك فعلت ساره دخلت غرفتها وأخذت دوشا وبدأت تغيير ملابسها سمعته ينزل السلالم ثم تحركت السيارة خارجة من البوابة لم يذكر الي اين هو ذاهب ولكن ساره كانت تعرف لا يهمه ان يتركها تمضي الليل وحدها , انه لا يعرف معني الوحدة , ماذا يعني ان تبقي وحيدة في المنزل وتأكل طعامها وحيدة وتكاد تختنق بها اختنقت بالغضب , لماذا أختار لها هذه الطريقة في للأنتقام منها؟ لو تركها وشأنها لكانت الآن متزوجة سعيدة مع رودي 
تركت هذه الفكرة سريعا وعادت بذاكرتها الي جلستها الهادئة مع رالف بعد الظهر في الحديقة لم يتكلما تقريبا ولكنها كانت تحس وجوده قربها وشعورها اليوم يختلف عن المرات السابقة حين كانت تجلس منفردة بنفسها كانت تمني نفسها بتمضية السهرة برفقته, فصحبته افضل من بقائها لوحدها , ولكنه خرج ولم يذكر الي أين 
لبست بنطلونا وبلوزة وخرجت تتمشي لا يمكنها ان تبقي وحيدة في المنزل وتأكل عشاءها وحيدة , ستذهب الي الصرح حيث اثار الملاعب الأولمبية وربما تتمشي علي ضفة النهر وستمضي الوقت بالمشي بدلا من المكوث في المنزل تتضجر وتتذمر غمرها شعور بالأسف الشديد لحالها 
لاحظت ساره ان المكان يغص بالجموع الغفيره في هذه الأمسية , مشت ضمن البساتين ومن الغريب كيف يزيد شعور المرء بالوحدة حين يكون ضمن جمع غفير تمنت لو يختفي الجميع من حولها وتبقي وحدها في هذا المكان تمشت علي مهل وهي تشعر بأن الجميع يراقبونها جلست فوق بقايا عامود وسرحت بأفكارها لماذا أحضرها رالف هنا في ليلة سابقة ؟ كل شئ بهيج في هذا المكان , ربما هو يحاول ان يذيقها طعم السرور ولو جرعة صغيرة ثم يتركها عطشى تطلب المزيد , بعد تلك الأمسية عاد رالف يعاملها كسابق عهده من البرودة وعدم الأكتراث , اليوم وبعد أسبوع واحد من مشواره معها بقي بجانبها ورفع من معنوياتها ثم عاد في المساء وتركها للضجر, هزت رأسها بعد أن نفذ صبرها , وبخت نفسها علي غبائها , في المناسبتين بقي رالف في المنزل لأنه كان يرغب في ذلك ولا يهمه ابدا ان يزيل عنها ضجرها او يسليها , الم يوضح لها علاقته بها منذ البداية , بأنه لا يهتم بها قطعيا؟
- ليتني لم أتزوجه! قالت ذلك وكررت جملتها مرة ثانية للتأكيد ولكن , لا مجال للتصرف بغير ذلك وضعت يديها علي وجهها لتمنع دموعها من ان تسيل من مآقيها وارتجفت قائلة : لن أبكي ! ليس هناك أي رجل يجعلني ابكي ! الم أقسم علي ذلك منذ زمن بعيد ؟ زفرت ساره زفرة الم واذا بسيدة تتكلم معها بلغة لا تعرفها ولكنها فهمتها
قالت ساره تكلم السيدة بقربها:
- انني بخير 
لم تفهم المرأة لغتها ايضا مر بها زوجان شابان قالت الزوجة الشابة تخاطبها:
- هل انت مريضة هل تريدين مساعدة؟
- شكرا جزيلا انني بخير 
قالت ساره بتهذيب حضر شاب وسيم وانضم الي الزوجين وسأل ما الخبر؟قالت اتلزوجة الشابة:
- اعتقدنا انها مريضة ولكنها تؤكد انها بصحة جيدة هل وجدت قناة جر المياة القديمة التي كنت تبحث عنها؟
هز الشاب الوسيم رأسه ايجابا بدون وعي كان مأخوذا بجمال ساره قال:
- هل انت متأكدة بأنك لست مريضة ؟ وجهك شاحب 
كذبت ساره :
- لدي صداع بسيط 
- ربما حرارة الجو الجو شديد الحرارة اليوم هل انت في عطلة؟
- لا انا اسكن هنا 
- هنا في اولمبيا؟ كم انت محظوظة , شقيقتي تعيش هنا ايضا 
نظرت ساره الي الزوجين الشابين كان الزوج يونانيا اسمر جميلا ذا شعر اسود ويبدو اكبر من الفتاة لابد انه زوجها سألت ساره بأدب:
- وأين تعيشين انت؟
- فوق التلة اشارت ساره بيدها الي منزل زوجها ثم اكملت:
هل انتما في عطلة؟
- انا فقط ازور شقيقتي وصهري مرتين في السنة 
كان شابا وسيما عليه امارات التهذيب وقد ظهر علي وجهه اعجابه الشديد بساره سألها:
- هل تعيشين وحدك ؟ يبدو انك وحيدة 
- انا وحدي هنا 
لم تكمل حديثها كأن انفاسها قد اختنقت سألها الوسيم :
- هل كنت تمشين وحدك؟
يبدو انه نسي الزوجين الشابين قربه نظرت ساره الي الزوجة ورأتها تبتسم هل شقيقها شاب عابث؟ قالت ساره:
- الجو لطيف في المساء اردت ان امشي قليلا سأعود للمنزل الآن 
قال الشاب الوسيم:
- لماذا تعودين ؟ تعالي معنا اذا اردت ثم نظر الي شقيقته وزوجها وقال:
- لن يضايقكما ذلك !
قالت الشقيقة:
- لا ابدا 
شعرت ساره بحمرة الخجل تكسو وجهها تمنت ان لا يعتقد مرافقوها انها فتاة عابثة 
- هل ستأتين برفقتنا قولي نعم شقيقتي وزوجها مازالا عاشقين بعد زواج ثلاث سنوات اشعر كأنني اقف بينهما عزولا رقيبا 
قالت الزوجة الشابة تخاطب ساره :
- لا تهتمي لما يقول هذا عذره دائما ليتعرف الي الفتيات في مثل هذا الظرف , لديه العديد من الصديقات احذرك 
تكلم الزوج بعد ذلك برصانة وجدية وقال:
- اذا رغبت في الانضمام الينا سنكون سعداء برفقتك لقد انتقلت وزوجتي الي اولمبيا منذ ستة اشهر فقط ولا نعرف العديد من السكان ويسرنا ان نتعرف الي 
قالت ساره بلباقة:
- شكرا يسرني ان امشي معكم 
قال الشاب الوسيم وهو يمشي قربها:
- حسنا 
وضعت ساره يدها في جيبها رغبت بعض التغيير في حياتها اذ لن تؤذي بتصرفها احدا زوجها لا يهتم لو كان لديها نصف دزينة من الرفاق 
ساره التقت دنكان في اليوم التالي وذهبت برفقته في سياره صهره وشقيقته الي طرابلس بدأو في الصباح الباكر لأن المشوار طويل والمسافة حوال المئة وستين ميلا ذهابا وايابا كان الصباح جميلا والشمس مشرقة والسماء زرقاء صافية , تعرف دنكان الي منزلها في المساء الفائت ورتب معها مشوار اليوم 
قال دنكان يخاطب ساره قبل ان يتركها:
- ستأتين معنا غدا لن تخذليني!
وعدته صادقة وقالت:
ـ احب ان آتي معكم 
جلست ساره قربه في سيارة صهره ارادت ان تستفيد من نزهة هذا اليوم وتعيشها كما يجب , فهذه فرصة ارسلتها لها السماء لتبعد عنها الضجر والملل تركت خاتم زواجها في البيت ولم تشعر بتأنيب الضمير لتركها خاتم زواجها لأنه لا يعني لها أي شئ من الأفضل في ظروفها الحالية ان لا تظهر حقيقة زواجها 
تركا اولمبيا التي تقع في سفح جبل كرونيون وساروا وسط البساتين الخضراء في الضواحي الهادئة , بدأو في الصعود وسط مناظر خلابة كان نهر لادن ينساب في سهل رملي عند سفح الجبل, اكملوا صعودهم في طريق اكثر ارتفاعا ودخلوا جبال اركاديان حيث المناظر اكثر وحشية توقفوا مرات عديدة في طريقهم ليتأملوا المناظر الخلابّة توقفوا في لنغاديا وجلسوا في مقهي صغير ليستريحوا تناولوا عصير البرتقال
المثلج وتحادثوا اهتمام دنكان كان محصورا بساره واهتمام صهره بزوجته قال دنكان بعد مغادرة الأستراحة 
- انها مدينة غريبة مبنية علي الطراز القديم , الأبنية مرعبة ترتفع مئات الأقدام وقد طوقتها الأعمدة الحديدية القوية 
تذكرت ساره ان أديل تسكن هنا في لنغاديا حاولت ان تنسى أديل انها في نزهة لتتمتع لا يحق لا لزوجها ولا لصديقته ان يعكرا عليها صفو يومها 
سألها دنكان:
- هل ترغبين في شراء بعض التذكارات هناك وسائد وسجادات محاكة باليد وفخاريات جميلة وفضيّة مصنوعة باليد 
- لا لا أعتقد وأنت؟ الن تأخذ معك بعض التذكارات 
- سآخذ هل تساعدينني؟ اريد شيئا لوالدتي وآخر لعمتها العجوز ثم لجدتي 
ربما يكون دنكان من الشباب العابث ولكنه لطيف ساعدته في انتقاء التذكارات وهي تذكره ان الأسعار المعروضة تفوق بكثير ثمنها الحقيقي ويمكنه ان يساوم تجار اليونان متفاءلون ولا تضيرهم أي مساومة بين الزبون والتاجر 
قالت:
- أنهم فقراء لا تخفض الثمن كثيرا! 
ثم ناولته حقيبة يد مطرزة انتقتها لوالدته اكملوا مشوارهم مناظر بديعة في ضواحي هادئة عبر غابات التنوب , والأراضي المثلمة المزروعة والشمس حادة فوق الطريق الخالية من الظلال انتهوا الي طريق مستقيمة تختلف عن الطريق الجبلية الوعرة ووصلوا طرابلس وقت الظهر في موعد الغداء 

لن اطلب الرحمة_آن هامبسون_حيث تعيش القصص. اكتشف الآن