1

4.1K 64 0
                                    

" ألحقوني يا نااااس... بنتي بنتي.. مش لاقي بنتي"

صراخ رجل يولول كالنساء وهو يبكي كطفل ضاربا الماء بكلتا يديه بعشوائية يبحث... كان اخر ما رأه قبل ان يغرق في غيبوبة غاطسا في الماء
هل رأي الفتاة بالفعل في قاع البحر نائمة بنعومة وشعرها كهالة يتماوج حولها... ام تلك هلاوس الموت.. لكنه قاوم
قاوم غيبوبته ... دفعها دفعا ضاريا.. وهو يدفع نفسه للاسفل ليصل للصغيرة
وقبل ان يلمسها ... كان يغيب تماما في دوامة الظلمة
" أحمد... أحمد...يا دكتور"
استفاق احمد من غرقه في ذكراه الاليمة علي نداء صديقه المتكرر ... تلفت حوله يبحث عن شبح الفتاة الصغيرة التي مرت من امامه منذ قليل وجعلته يغرق في ماض يثقل روحه
" ايه يا ابني ... تاني غرقت في ذكرياتك؟"
ابتسم أحمد بمرارة لعمار وهو يجيب بأختناق
" ذكرياتي؟ مينفعش نقول عنها ذكريات يا عمار طالما عايشين لسه فيها"
هز عمار رأسه لصديقه مؤمنا وعيناه لازالت تتفحص بمهنية شديدة الصاعدين للباخرة
هكذا الحال في كل رحلة... يجلس عمار الضابط المسئول عن امن السفينة وصديقه أحمد طبيبها يستمتعان لاخر مرة بثبات الارض تحت قدميهما قبل ان يصعدا للباخرة في رحلة قد تمتد لاسابيع
اتسعت ابتسامته وهو يري تلك المقتربة منهما بحماس... قبل ان يلكز صديقه بخفة لينبهه
تجهم أحمد -هذا ان افترضنا ان التجهم يفارقه اصلا- وهو يقف علي قدميه يسارع أليها
" كم مرة يا بنتي نبهتك ان البويات والدهانات اللي بتغرقي بيها وشك دي بتخليكي شبه الشقق اللي تحت التشطيب ناقصلها بس الشبابيك والابواب"
شهقت اسماء – خبيرة التجميل" كوافيرة" الباخرة- مصدومة
" الله يسامحك يا دكتور... انا ناقصلي شبابيك وابواب وابقي شقة؟انا قلتلك كذا مرة ان بيع منتجات الميك اب بيعتمد علي شكلي ومظهري"
هز كتفيه بلا مبالاة ظاهرية ... فدوما كانت اللامبالاة سلاحه في التعامل معها
" براحتك... اللي انت شايفاه في مصلحتك اعمليه... بس اعرفي ان الميك اب الاوڤر ده بيلفت نظر الستات... والرجالة"
ابتسمت بسعادة وقلبها يغني" يارب يكون فعلا بيغير عليا" ولكنه وأد حلمها في مهده وهو يستطرد
" يعني انا بقول مش عايز اتعب نفسي علي الباخرة ... واحد يبصلك مراته تيجي تفتح دماغك ان شاء الله... يجيلك ارتجاج ... اضطر اعالجك"
كانت ملامحها مع كلماته المتتابعة تتغير وهي تهز رأسها بسرعة مستنكرة مايقول بينما ضحكات عمار المتابع خلفهم تصلها وهي تتخصر هاتفة بحنق
" تصدق يا أحمد انا اللي غلطانة اني عملت حسابك وجيبالك اكل من عند ماما معايا... انا هاكل انا والكابتن ومش هاديك ولا حتة رقاق باللحمة صغننة"
فتح أحمد عينيه علي اتساعهما ببراءة مؤثرة وهو يضع كلتا كفيه علي صدره
" كده يا أسما ! اهون عليكي عشان عارفة ان امي ميتة واخواتي طبيخهم يجيب تلبك معوي"
كيف يفعل هذا بها! كيف يجعلها هي ابنة الثلاثين تتخضب خجلا بمجرد نطقه لاسمها دون همزة
بللت شفتيها بتوتر عاطفي قبل ان تقول بارتباك
" طيب خلاص صعبت عليا ... هاروح احضر الاكل علي ترابيزة في الضل"
ألتفت أحمد لعمار متوقعا منه توبيخا حارا ككل مرة يشهد علي حوار ما بينه وبين اسماء ..... لكن النظرة علي وجه صديقه اثارت توجسه
اتسعت عينا عمار بصدمة ... اتبعتها شرارات مخيفة من ثورة مكبوتة وهو يراقب تلك التي تقف عند بوابة الباخرة تهم بالصعود
قفز واقفا بسرعة ورشاقة قبل ان يقطع المسافة الفاصلة في خطوتين
انها هي ... لن يخطئها ولو بعد ألف عام
" استني..."وهي لن تخطئ صوته ولو بعد ألف عام
لذا تسمرت كاميليا في وقفتها اما العسكري المنوط بفحص اوراقها للمرة الاخيرة... وهي تدعو الله ان تكون اذنيها تخونها
" يا اهلا يا اهلا.... كاميليا هانم بنفسها علي باخرتي" نبرته الساخرة لايمكن ان تخطئ خاصة وهو يميل عليها بوقاحة هامسا
" يا تري عايزة تهربي ايه علي الباخرة المرة دي؟"
رفعت عينيها المغطتين بنظارة شمسية ضخمة اليه وهي تقر بأسلوب هادئ
" لو شاكين فيا تقدروا تفتشوني"
صوتها... رائحتها.. حتي ملامحها... كلها تواطئت عليه الا انه تماسك وهو يفحص اوراقها بتركيز بحثا عن كلمة لن ينكر اغتباطه حين رأها
" انسة"
اوشك عمار ان يدعها تصعد للباخرة مع تلك الكلمة
" ماما... اتاخرتي ليه..؟"
رفع عينيه سريعا لمصدر الصوت ليجدها فتاة في الخامسة تقريبا تمسك يد امراة من الواضح انها مربيتها
اعاد عينيه لاوراقها يتأكد من الكلمة" انسة"
قبل ان يعود لتلك ال.... الكلمات التي ارتسمت في عقله في تلك اللحظة كانت فاحشة
" لا ياحلوة.." هتف بها باشمئزاز ونظراته تعري تلك الكاميليا " ماما هتتفتش تفتيش ذاتي... شاويش راضية... فتشيها تفتيش ذاتي"
ملامحه كانت صفيقة ونظراته كانت تعريها وهو يهمس بالقرب من اذنها
" تفتيش ذاتي اوي"

طوبة ورق مقصحيث تعيش القصص. اكتشف الآن