4 & 5

1.7K 46 0
                                    


ال ساعة تخطت الواحدة.... ولازال النوم يجافيه.... يعاديه... يحاربه بضرواة مستنزفة
" عايز تنام يا عمار.... لسه ليك نفس ترتاح؟
بعد ما عرفت انها بريئة"
خبط علي السرير بعنف يفرغ بعضا من مشاعره الثائرة.... مشاعر لم يعد قادرا علي تصنيفها
يصرخ علي ضميره موبخا
" بريئة! ده انت سامعها بتحكي لفاطمة انها كانت عارفة مصايب اهلها! وانها كانت مستعدة تنساني"
حين تبعها كعادته منذ عرف انها علي الباخرة.... يخدع نفسه انه يتبعها فقط ويراقبها حتي يتأكد انها لاتخالف القانون...
الا انه علي غير عادته... كاذب
يتبعها... ليلتهم ظلها بجوع سنوات...
يتبعها.... ليسير علي تلك الخطي التي زينتها بخطاها
يتبعها....ولا يتخيل انها ساعات وستغيب
عادت اليه الذكريات تجلده... وهل تفعل به الذكريات الا تلك الفعلة الشنعاء....
يوم بداية المأساة... كان قد انهي لتوه مهمة اداها ببراعة... لذا طلبه رئيسه ليشارك في حملة مخططة للقبض علي تشكيل عصابي لاتجار الممنوعات
لم يتأخر عن تلبية طلب رئيسه... بالرغم من انه ترك له كامل الحرية ....الا انه تمسك بالفرصة
فرد فعل كاميليا علي اعترافه الصريح وطلبه للزواج.... لازال يحيره
انهارت يومها باكية... لا ليست دموع فرح...
انما دموع حزن وقهر... وقلة حيلة
حتي انها لم ترد بعدها بكلمة... بكت حتي انصرفت... ومن يومها لم تحاول الرد علي رسائله
رحب عمار بتلك المهمةالتي تعني انشغالا يبحث عنه حتي يتناسي ويصفي ذهنه ليجد حل...
المهمة كانت خطيرة ومعقدة.... الا انه كان كالمغيب وعقله وروحه مع فتاته الغائبة
يعمل كالالي.... لايتذكر التفاصيل الان
كل ما يذكره.... انه فتح بابا ليجدها خلفه.... بين احضان اخر..
ليست مجبرة... او مغصوبة
رأها تخبئ وجهها في كتفه بحثا عن امان... كان ليعرضه هو عليها بلا مقابل
لم يشغل باله للحظة لما حبيبته في بيت تاجر مخدرات... بملابس بيتية
كل ما شغله... صدمه... اثارت جنونه..... انها بين ذراعي اخر
" كاميليا"
اسمها كان كل ما نبس به.... نظراتها الهلعة اخبرته...
انها بالتأكيد ليست برهينة هنا..
مابين ندائه لها ومحاولاته المستميتة استيعاب وجودها... وبين هربها مع ذلك الرجل الذي عرف فيما بعد ان اسمه الجن ... ثوان
حاول وهو يتبعهما ركضا ... لكن كانا كمن اختفيا في غيمة دخان.
انهياره الذي تلا تلك اللحظة... اشبه بانهيار ثلجي مخيف يدفن تحته قري ومدن

انهياره اخرج من داخله وحشا لم يكن هو نفسه يعرف بوجوده
وحش مشوه طاح في كل من قبض عليه... بشكل تعسفي لم يكن من طبعه
ولم يحتاج لطويل من الوقت ليكتشف ان ذلك الذي هربت معه ابنة المعلم هو خطيبها
توالت عليه الصدمات التي لم يكن ليتحملها بشر .... ليصل في النهاية للضعف
ضعف اعتراه وهو يضع الحقيقة بجوار الاخري ليكتشف
ان من ظنها حب العمر وشريكة الدرب هي اكبر مخادعة رأتها عيناه
لم يجد سوي الهرب... فرمي كل شئ خلفه حتي عائلته ... ليصبح رحالا علي باخرة يعرف ان عمله عليها لن يؤدي به لاي تفوق وظيفي كما كان الوضع ليكون علي البر ... الا انه اختار الهرب
والان وبعد كل تلك السنوات يكتشف انها بريئة!
" بردو بتقول بريئة! انت سامعها بتقول انها كانت هترمي الحب وراها وتترجي الجن عشان يعيشوا في تبات ونبات "
سيفا يدب بخاصرته... خنجرا مسموما يزيد من هلوسته كلما تذكر تلك الجملة
نسي انها ابنة تجار المخدرات... نسي ان اخيها قتل احد زملائه... نسي انها كانت سببا في ضياع خمس سنوات من عمره علي تلك الباخرة
ولا يذكر بقلبه الخائن ومشاعره المراهقة سوي انها فضلت عليه الجن
النار التي شبت في اوصاله كانت اعنف من تحمله.... تضرب ما تبقي من تعقله فتدفعه للجنون
" ليه كل حاجة هاتعب منها لوحدي..." وقف عمار يحدث نفسه كالمجنون وهو يندفع للباب دون حتي تبديل ثيابه
وقف امام باب جناحها غير مباليا انها تخطت الواحدة صباحا... ولكن كياسته تراجعت تماما امام تخبطه
طرق الباب بخفة لاتخلو من الحزم... لايفكر في عاقبة مايفعل
كل مايشغله... ان يسمع منها اجابة
لم يطل طرقه... لتفتح الباب جزئيا بعد ان تأكدت من هويته من العين السحرية
" خير يا كابتن عمار! في حاجة"!
الخوف في صوتها كان جليا... فهيئته لم تطمئنها اطلاقا
ملابسه البيتية من جاكيت ثقيل ازرق وشورت رياضي بني... شعره المشعث... وخف بيتي مفتوح
لم يرد لكن عيناه اخبرتها ان تهابه وتهاب انفعالا جليا فيهما
" ارجوك... بنتي نايمة"! رجائها جعل كلماته تندفع كالسهم
" بنت الجن مش بنتك... بطلي تمثيل"
زادت من فتحة الباب غير مبالية بكشف نفسها في جلباب قطني يصل للركبة ... بلا اكمام .. بلون الورد الجوري
غير مبالية بتأثيرها عليه في تلك اللحظة ... وهي تهتف بحنق "انا بطلت تمثيل من زمان... روان بنتي ومالهاش ام غيري من يوم ما وعيت علي الدنيا"
لم يسمعها وهو... مرغما والله ومسلوب الارداة... تتعالي نبضات قلبه وتضطرب...
وشوقه اليها يجلده
نعم الاعتراف سمة الرجال... يشتاقها بالرغم مما كان
رؤيته لها من اليوم الاول علي الباخرة... لم تقلب مواجع القلب فقط... وانما اعادت حب ظنه مات
لذا سأل بصوت اجش وهو يمد اصابعه ينشد لمس ذراعها المكشوف
" كنتي صحيح هتنسيني وتعيشي مع الجن مخلصة ليه ولحبه! وانا ترمي في مزبلة الذاكرة"
اغمضت عينيها للحظة تستقبل بجهل انثي لازالت محبوسة في خانة المراهقة لمسته قبل ان تبتعد خطوة
" كانت كاميليا هتفضل معاك... حتي لو كوكي اتجوزت الجن واخلصتله"
رائحة حريق مجازية انتشرت في الاجواء لاحتراق اعصابه مابين غضب وخيبة قبل ان يلغي الخطوة التي ابتعدتها قابضا علي ذراعها... وشتان مابين تلك اللمسة والسابقة
قال من بين اسنانة
" انتي هتشتغليني ! يعني ايه التخريف ده! هو انتي كام واحدة في بعض"!
امتلئت عينيها دمعا تكاد تئن من ألم قبضته حول ذراعها وحول قلبها
" انا اتنين يا عمار... كاميليا اللي حبتك وماشافتش غيرك.... وكوكي اللي كانت مستعدة تبقي جايزة توبة الجن"
" ماما... انتي فين!"! صوت ابنتها قاطع تلك المواجهة الحادة لتهمس وقد بدأ دموعها في الهطول
" ارجوك ماتأذينيش في بنتي... بكرة هاجيلك المكتب ونتفإهم ... ارجوك"
ذكرته دمعاتها بيوم ابكاها... وبالرغم من انها اغلقت الباب بعد نظرة ترجي وسمعها تدلل ابنتها... الا انه ظل مكانه يتذكر ذلك اليوم
يومها لم يقصد ولم يخطط لكنه سعد جدا بالنتيجة
ذهب للقاءها في حلته الرسمية... بغرور ذكوري اراد اثارة اعجابها... لم يتوقع انه سيثير اعجاب كل ما هو مؤنث في الطريق
لم يكن وسيما كابطال الروايات... لكن للحلل الرسمية تأثيرا لا يمكن انكاره
في البداية اخبرته حمرة خدها ونظراتها التي تارة تؤسر في مظهره وتارة تخفض في حياء فطري... انها معجبة
لكن مع مرور الدقائق ونظرات الاناث المعجبة ... لم تجد ما يفرغ غضبها سوي البكاء
يومها اقترب بلهفة يحاول احتضانها ... الا انها رفضت بشدة ... فلم يملك الا احتواء كفيها المرتعشين يشد عليهما بسعادة خفية لغيرتها
" يا بنتي مابحبش الا انتي ومش بشوف غيرك في الدنيا.... "
ذكري يدها في يده جعلته مسمرا رافضا الرحيل.... لذا عاد يطرق الباب بخفة
سيفضحه شوقه... فقط ان امعنت النظر
جاهدا حاول التماسك وهي تفتح الباب قبل ان تهمس بنزق وهي تنظر خلفها
" نعم بقي؟ قولتلك هافهمك بكرة كل حاجة وهانتكلم زي ما انت عايز"
" كاميليا" كان اسمها هو كل ما نطقه...
يا الهي! سيصاب بجلطة دماغية.. بسبب كل هذا التخبط داخله
مابين شوق... رغبة ... غضب... حقد
يبدو ان الاولي قررت ان تنتصر
اقترب حتي لم يعد الفاصل بينهما سوي انشات.. وهو يهمس وعيناه تصرخ علي ملامحها
" نسيتيني فعلا ياكاميليا ! انا كنت ايه في حياتك! تجربة مختلفة... هروب مؤقت بتفصلي فيه عن الواقع! ايه بالظبط؟"
مع كلماته كان الشوق يستعر يخالطه الغضب الحارق
فتأتي هي بكلمة تطفئه ... كلمة صادقة لن يشكك فيها للحظة
" ولا كل ده....انت الحب اللي بجد.... الحلم المستحيل"
اغلقت الباب وابتعد هو... اكثر تخبطا... والشوق تلك المرة ينتصر

طوبة ورق مقصحيث تعيش القصص. اكتشف الآن