~الحرب~

41 7 0
                                    

تلك الليلة لم تكن ككل الليالي
تلك الليلة كانت خالدة في الذكرى
في ذكرى الكبار و الصغار
مخبأةً عميقا بين طيات النسيان الاجباريّ
فمن يتذكر تلك الليلة لا يستطيع المضي قدما في حياته؛ و من يريد أن يوقف حياته بسبب ليلة مشؤومة؟

صعبٌ على الكلمات وصف الليلة.
صعب على العبارات البقاء صامدة متراصة أمام بعضها.
صعب على الحروف إمساك أيدي بعضها لتشكل كلمات كئيبة قد لا تكفي.
رفوف من كتب حزينة تساقطت فوق بعضها.
كتب أُثقلت صفحاتها بحبر دامي، مختلط بعبق الألم المكبوت ممزوجا مع بعض الدموع الهاربة من جفون لم تستطع احتمال
الامطار الغزيرة
لم تكن العيون لتذرف العَبَرات لو علمت أن السماء قد تبكي مكانها
لذلك فإن تلك الليلة كانت ماطرة سماؤها مسودة مسحبة، صوت رعدها زعزع النفوس و ضوء برقها قصف الارواح كالقصف الذي حدث.

وابل رصاصٍ أطلق ليحدث سمفونية تتراقص عليها الشياطين التي نجحت في إحراق البشرية بنيران الحقد
اختلط صوت البرق بصوت الصرخات و الاستغاثات مع الأنين الصادر من أفواه لم تستطع الافصاح عن مشاعرها الأخيرة التي أحستها في هذا العالم الرماديّ
بكاء و عويل، انفجارات و صوت أقدامٍ و دبابات تزلزل الأرض و تقتلع البيوت من جذورها

لم تسلم الطبيعة المسكينة، زأر العدو و ضحك بهستيريا و كأن فلم الرعب تحول الى فيلم كوميديّ
جُنَّ عازف السمفونية فأحدث ألحانًا مختلطة تجانست بتناسق غريب و كأن الماء و الزيت اختلطا!!
و كأن الحديد طفى على سطح الماء و القشة غرقت في الأعماق!!

ياللعجب!! من كان يظن أن البكاء قد يختلط مع الضحك ، من كان يعتقد أنه يوما ستختلط النار بالماء، من كان يتخيل أن يرى قطة تصادق كلب؟!
كذلك كان الأمر، غريب مخيف.

مناظر بشعة تتمنى لو تغسل عينيك بالصابون، لا بل تتمنى حتى أن تقتلع بؤبؤتيْك على رؤيتها
أجساد مثناثرة مرمية هنا و هناك كأوراق الشجر المصفرة التي تذبل و تسقط على الأرض في فصل الخريف، أرضية تستقبلها برحابة صدر كسرير أو كفن يرقد داخله ميت في نومة أبدية
برك جديدة تشكلت و دماء اختلطت، دماء شعبٍ شهيدٍ أبى ذل الاستعمار فاختار كرامة الموت على اذلال الحياة
شهداء أبرار اختاروا جنات السماء و فردوس ما بعد الموت على جنات الأرض الفانية الزائلة و جحيم الحياة المتذبذبة
نساء خدشن في عرضهن فكان خدشهن يزيدهن عفة و طهارة
أطفال سُلبت طفولتهم، اِضمحلت براءتهم و أُغلقت أفواههم الضاحكة لتشهد فقط صدور صرخات متألمة مستنجدة لم يكن أحد ليسكتها أو حتى يخفف حدتها
تشردٌ و يتمٌ كان يسير في الشرايين الساخنة التي تغلي حسرة على حال البلد الحبيب، و على بشاعة الاستعمار

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jun 19 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

نزيف قلمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن