.|9|.

682 120 30
                                    


أيامُ الأعياد. لكم أكرهها.

بينما الوقتُ يمرّ أسرع من البرقِ في خِضم لحظاتهم السعيدة، كنتُ أنا أعاني من بطئه. بطئه الشديد.

لم أجد ما أفعل، أخبرتني أمي أنها وخلال ما سيتلو من أيام ستنشغلُ بعملها كلياً وأحياناً لن تسنح لها الفرصة حتى بالعودة. أما أبي، فبآخر مرةٍ رأيته فيها، هو بالتأكيد لم يكن بخير. لم أدري ما خطبه بالأيام الأخيرة، باستثناء شكي؛ أو عفواً تأكدي، لخيانته لأمي مُنذ مدة.

من جهةٍ أحسستُ بكرهٍ لا إراديٍّ نحوه، فهو شيئاً فشيئاً يزحف بعيداً عن مسؤولياته اتجاهنا. ومن جهةٍ أخرى، كانت طريقته تلك في الزحف أفضل طريقةٍ ممكنة قد يستخدمها خائن لتمهيد رحيله بنظري.. كان يوماً بعد يومٍ يؤخر من عودته، يقلل من فترات تواجده بيننا ولا يبذل أي جهدٍ في تزييف مزاجه حولنا وكيف أنه أحيانا ينظر كما المراهق العاشق في هاتفه لتشق البسمة فورياً وجهه، وكل ذلك ونحن نشاهد. كما لو أنه يقول هي مجرد مسألة وقت، ولا أريد خداعكم خلال انقضائه. بينما وبالطرف الثاني، لم أفهم تصرفات أمي بين كل هذا كذلك. أحياناً أجدها تهتم وتُبدي رداتِ فعلٍ تتمثل في الانزعاج، وأحيانا أخرى تقوم وبكل بساطةٍ بتبليط وجهها بملامح جافة لا ترى فيها أيّ انعكاسٍ للحياة.

وتحت هذه الحلقة من الأحداث التي أعلم كيف ستكون نهايتها، فلقد كرهتُ البيت. كرهته بشدة.

قُبيل أن أخرج منه لففتُ حولي وشاحي الأحمر، كما معظم ثيابي بما أنه اللون الأحبّ لي، ووضعتُ سماعات أذني بمكانها مُشغلةً أقوى موسيقى روكٍ لدي. لم أكن مهتمةً بهذا النوعِ منه قبلاً، لكنني الآن أشعر أن عقلي بحاجته على الأقل كمصدرٍ وحيدٍ للضجة بين كل السكون الذي يعانيه من محيطه.

ورحتُ أهيم في الشوارع.

لم أملك جهةً محددة أو مكاناً لأذهب له، أردت فقط الابتعاد قليلاً عن البيت. حتى تيا لم يُمكنني الاتصال بها، أو أنني لم أشأ ذلك، فلو علِمتْ بظروفي العائلية الحالية هي بالتأكيد ستُصر على مبيتي معها طِيلة عطلة آخر السنة، وهو آخر ما أريد.

رُحتُ أتجول بين العديد من الأماكن التي ارتاح لها رُغم الجو البارد الشديد واقتراب الغروب، من حدائق لأماكن عامة ثم مقاهي، وانتهى بي الحال اشتري مُثلجاتٍ بنكهةِ الفراولة؛ وأمشي بعشوائية. ولستُ أدري كيف قادتني قدماي، لكني وجدتُ نفسي بنهاية المطاف عند مكتبة سايمون، كما بِتُ أسميها.

بعد موجةِ بردٍ أحسست فيها أخيراً ببعضٍ من أطرافي التي فقدت فيها الشعور وهو تناقضٌ غريب، قررتُ الدخول علّي أدفأُ قليلاً قبيل أن أقرر ما أفعل بعدها.

ترى كيف يُمكن للقدر أن يُحرك خيوط حياتك ببساطة؟ فيوماً كنت لا تطأ البيت خارجاً مُطلقاً بمثل هكذا أيامٍ ثلجية وقد كان مصدر الدفء الأول والوحيد، واليوم، أنت تهرب منه لاجئاً لمكتبةٍ عامة لم تدخلها فعلياً سوى مرة وقد صارت مهربك منه الذي أمسى ببروده أقرص من أيّ شتاء.

الحياةُ صعبة.

تيهان رُوح.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن