.|16|.

596 104 12
                                    


-" أنتِ بخير؟ " سألني.

حملقتُ بالسماء، أفكر بسؤاله. تهبُّ علينا بِضع نسماتٍ باردة بين الوقتِ والآخر؛ تُحرك معها سلاسل الأشجار بهذه الحديقة القديمة المهجورة، وكذا الأرجوحة الصدئة التي كنتُ أتأرجح بوتيرةٍ بطيئة فيها وهي لذلك تُصدر أنيناً ضعيفاً.

-" فقدتُ أمي، فقدتُ أبي، فقدت عائلتي، فقدت بيتي، فقدتُ صديقتي الوحيدة بدون سببٍ وجيه، فقدتُ نفسيتي، فقدتُ مستقبلي برسوبي، وقريباً، سأفقد عقلي. " قُلتها مُستخرجةً إياها من دهاليز قلبي المُمتلئة، والتي لطالما انتظرت هذه اللحظة للكشف عنها. تبعتها بالنظر لعينيه البُنية الصافية صفاء قهوةٍ صباحية، وسألتُ بأعين بدأت ترتجف مُطالبةً بتحرير ما اختلجها من أحزان؛ لكنها صاحبتها رفضت، واستطردت في محاولة لربط شتات نفسها لو تبقت:" أخبرني أنت، هل أنا بخير؟ لأنني وكما لم يسبق الذكر، فقدتُ ثقتي. ثقتي بنفسي وبكل شيء.. "

كان موقفه صعباً، لو أشفق عليّ فسيُغضبني، ولو حاول إغداقي بسيلِ عباراتٍ إيجابية فسأغضب أكثر، ولو قال أيّ شيءٍ أساساً فبدون الاهتمام بما كان سأغضب !

أعاني الاضطراب.

لم يفعل أياً مما سبق، فقط عانقني من الخلف جاعلاً إياي أتوقف عن تأرجحي، وأحدق بالأرض المُتربة أسفلي. لا أدري كيف صنفها عقلي، هل هي ردةُ فعلٍ صحيحة بمثل هكذا حالة؟ أو أنها العكسُ تماماً؟ لكنه هو نفسه لم يهتم، رغم أنه كان دائماً المُتحكم على أفعالي. فقط استسلم لتلك الراحة التي تسللت له، استسلم لذاك الشعور بأنه لازال بالعالم أشخاصٌ تهتم له، استسلم لما كان يحاول كبته، وسمح لقلبي بالتحكم؛ فشرعت عينيّ أخيراً بذرف عبَرَاتِها؛ وأدمعت. 

تيهان رُوح.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن