عشت حياتي كلها غير مصدق بوجود أشياء خارقة للطبيعة أو سحرية أو أي شيء خيالي ، لم أصدق بالأشباح أو بعالم الأرواح بشكل عام ، ولا حتى بالقدرات الخارقة أو رؤية المستقبل ، و على العكس مني تماماً كان ابني ...
يصدق كل شيء يشاهده على التلفاز أو يسمعه من أحد أو يقرأه من قصة ، و لديه صديق خيالي ، يزعجني به ، تحملت الأمر لأن كل الأطفال يعانون من هذه الخيالات ، لكن ما كان يزعجني بصديقه الخيالي هذا هو أنه كان كثيراً ما يريد رؤيتي ، هذا ما يقوله ابني ، بعد ما ضاق ذرعي بالأمر ، هددته بالعقاب إذا استمر بالحديث عن صديقه الخيالي ..
كانت أمه لا تمانع الحديث عنه ، و أيضاً أبي ، أبي كان يسكن معنا بالمنزل و يشجعه على هذه الخرافات ، حتى أنه يروي كل ليلة قصة خرافية و على ادعائه يحاول تعليمه السحر ..
تقبلت الأمر في سنوات ابني الأولى فقط ، لكن الآن هو في التاسعة و لم يتوقف عن تخيلاته ، حاولت التحدث معه بالأمر الواقعي ، لكنه يأبى تصديق أي شيء ، و هذا أغاظني بشدة ، فصرخت بوجهه و عاقبته بحبسه في الغرفة ، أعلم أني كنت قاسياً معه ، لكن هذا لمصلحته ..
لكن لنحول مجريات الأحداث ، كل الموازين انقلبت في ليلة ميلاد أبي ، نحتفل بميلاده بشكل طبيعي ، فهو يتصرف كالأطفال رغم عمره الكبير ...
كان ابني كريس يجلس في حضن جده ، و يستمع لقصصه الخرافية ، سمحت له هذه الليلة فقط ، أحضرت كعكة كبيرة كما طلب أبي ، و أطفأ الشموع بعد تمني أمنية ، لاحظت بعض الدموع تنحشر في عينيه ككل عام ..
أحضر كريس بعد انتهاء الحفلة البسيطة دفتر مذكرات أبي ، و طلب منه قراءة البعض ، أغضبني هذا الفعل قليلاً ، لكن بعدما بدأ أبي القراءة ، استشاظ غضبي أكثر ..
لا أعلم ما أغضبني لحظتها ، ادعاء أبي أنه كان لدي صديق خيالي في طفولتي ، أو تلك الصفحات المليئة بذكريات أمي ، أمسكت الدفتر و ألقيته بقوة على الأرض ، و صرخت في أبي :" كفاك هذا ! " ..
لا أعلم ما حدث بعدها لكني وجدت نفسي أسقط و أفقد احساسي بالعالم من حولي شيئاً فشيئاً ، آخر ما سمعت هو صوت أبي و هو يناديني :" ألفريد " ..
أفقت على ما أظن ، لكن ليس في غرفة المعيشة ، أو غرفة النوم ، أو حتى غرفة بالمشفى ، لكن في مكان مظلم ، لا يوجد نور من أي اتجاه ، فقط ظلام دامس يحيط بي ، تكورت على نفسي ، و شعرت ببرد شديد ، " أهذه هي الحياة بعد الموت ؟ " تساءلت في نفسي ، ثم سمعت ضحكة عالية ، و صوت يقول :" لا ليست هذه ، لا أحد يعلم ما هي بعد " ، ارتعدت و قلت :" من ؟ من يتكلم ؟! " ، ثوانٍ و ما كان ظلاماً تحول لغرفة مليئة بالأنوار ، وجدت نفسي في عالم طفولي ، بأزهار و حلوى و ألوان كثيرة تعم المكان ، و في الوسط كان يقف بابتسامة كبيرة ، و أنف كبير ، حسناً كله ضخم ، وردي اللون ، جسم بيضاوي مشعث ، بأنف أزرق و قبعة صغيرة عليها وردة ، و يرتدي سترة صغيرة لا تغطي سوى كتفيه ، ضحكت لوهلة ، لكن انتابني الرعب بعدها .. ثم سألت مجدداً :" من أنت ؟ " ..
ضحك بقوة و أخذ يرتد كالطابة ، و تساقط دموع بغزارة من عينيه ، مسحها باصبعه كثير الألوان ثم قال :" آه ألفريد ما زلت على عادتك ، هذا أنا بون بان ، صديقك القديم " ، حدقت به ببلاهة ، ثم صرخت :" بون ماذا !!! هل تظن أن مثل هذه الخدع تنطلي علي ! هيا أخرجوا الكاميرات ، لقد سئمت من هذه اللعبة المملة .." ، ضحك هذه المرة أكثر من قبل ، ثم قال :" آه ما زلت ظريفاً "، ثم لوهلة شعرت أن لون عينيه تغير ، ثم قال بنظرة مجنونة :" أريد طلب ، و ستخرج " ..
ازدردت ريقي ثم سألت :" ما .. ما هو ؟ " ، ابتسم و أظهر أسنانه الكبيرة و قال :" أريدك أن تجد الكتاب السحري في منزلك ، و أن تقتل القاتل ، بسيطة صحيح ؟ " ، رددت :" ماذا !! ما البسيط في هذا ! أن لم أفهم ! " ، فرقع أصابعه قبل أن أكمل أسئلتي ، ثم سقطت مغشى علي مجدداً ...
" أنت ... أتريد حلوى ؟ " ، استيقظت على صوت ابني ، لكن لماذا يستخدم كلمة أنت ؟ فتحت عيني و كانت عيناه بنفس مستوى عيني ، ارتددت للخلف خطوة ، كنت على الكنبة في غرفة المعيشة ، و ملابسي كبيرة علي ... و يداي أصغر مما أتذكر ..
قمت بسرعة ، و ذهبت لأقرب مرآة و هنا كانت الصدمة ، لقد تحولت ، أعني صغرت ، أعني أي شيء ! أبدو كطالب ابتدائية !
زماان ما كتبت =-= تراجع مستوى كتابتي