الفصل الأخير

239 27 21
                                    

دخلت القبو و كأني انتقلت لعالم آخر تماماً ، صحيح أن كل الأغراض كانت مكدسة بطريقة عشوائية ، و بعضها حين تنظر لها تظن أنها ستسقط في أية لحظة ، لكل ما زال الجو الغريب يحيط بها ، جو عتيق ، لكن تفوح منه رائحة غريبة .. تشعرني بحنين غريب

بدأ كريس يزيل العوائق من طريقه، ثم توقف لحظة و نظر لي و قال :" هيا الآن .. أترى أي شيء سحري ؟ " ، نظرت حولي و لم تخرج الكلمات .. هز كريس رأسه و مضى إلى الرف آخر الغرفة ، حاولت أن أتبعه ، لكن قدمي علقت بشيء ...
نظرت نحوها ، كان غطاءً أبيض مائل للبني، رفعته و نثر الغبار في كل مكان ، كم مضى على تنظيف هذا المكان ؟؟!
سمعت صوت سقوط كريس ، ارتعدت ! لكن تبين أن هذا بسبب أن الغطاء كان تحت قدمه ... حدق بي بنظرة قاتلة، فأفلتُ الغطاء بسرعة و ابتسمت بحماقة ...

حسناً غطاء كبير كهذا لا بد أنه يخفي شيئاً تحته ، أزلناه بروية عن الأغراض ، لكن سقطت مزهرية قديمة و انكسرت رغم كل حذرنا ...
كانت كلها أدوات مطبخ قديمة .. أحسست بيأس ، لكن في وسطها وجدتُ لوحة مقلوبة للخلف ، أخرجتها من بين الزجاج بحذر و حرص شديدين .. أدرتها لأرى محتواها ، ليتبين أنها صورة قديمة ... لي و لأبي و لشخص لم أتصور أني سأراه بعد كل تلك السنين ، كانت أمي ، مبتسمة ، و ابتسامتها خلابة ، أحسست بانقباض في قلبي ...
جاء كريس بسرعة لجانبي و نظر معي ، و قال :" اووه هذه جدتي ، أنت حقاً أبي .. فهذه الصورة و هو بعمرك "، صرخت بوجهه :" و ألم تصدقني عندما قلت لك ؟!! "، رد :" صدقتك .. لكن هذا دليل فقط ... "... تنهدت و وضعت الصورة جانباً ، ثم قلت :" مع كل هذه الأغراض .. أشك أننا سنجد أي كتاب سحري " ...

وضع كريس يده على كتفي و ربت عليه ، و قال :" لا تقلق ، لا تقلق ، سنجد شيئاً حتماً ، إذا أردت .. يمكننا أن نستعين بجدي "، انتفضت بسرعة :" لا ! أبداً ! لا يمكن ! "، رد كريس :" على رسلك ! كان هذا مجرد اقتراح .."
قلت :" كلا ، أنت لا تفهم ... الشخص الذي ... يجب عليّ قتله هو .. هو أبي "، لم يظهر كريس أي رد فعل ... بقي واقفاً و بنظرته اللامبالية ، صرخت فيه :" لمَ لا تقول شيئاً ؟!! "، رد عليّ ب"ميه " ! صرخت مجدداً :" ميه ! ميه فقط ! ما شعورك عندما يتطلب الأمر منك أن تقتل والدك ؟!! "
رد بكل طبيعية :" بكل سرور " ..
هيه ... ماااذاااا !! لقد حطمني جوابه !

أخذتُ نفساً عميقاً ، و جلست على الأرض ، ضممت ركبتي لصدري و غرست رأسي ، كل شيء مقرف ، لا أستطيع تحمل هذا .. ما الذي سأفعله ؟! أحسست بيد تمسح على ظهري و أخرى على كتفي ، رفعت رأسي ليعانقني ابني ، مخفياً وجهه ، ضحكت و رددت له العناق ...
قال بنفس مكتوم :" أنت تخنقني " ، أبعدته عني و ضحكت بقوة ، ثم قلت :" ذكرتني بأمي عندما كانت تحضنني بقوة "، أمسكت بالصورة و أطلت النظر فيها .. ثم بدأت الحديث :

" كانت أمي امرأة كثيرة البكاء على ما أذكر ، لكنها كانت ضحوكة أيضاً ، كانت دائماً تفعِّل الأجواء لكي نضحك أنا و أبي ، لم ألحظ عليها أبداً أي آثار للمرض ، لكن .. ماتت ذلك اليوم فجأة دون أن أعلم .. يومها لم أرَ وجهها للمرة الأخيرة على الأقل ، فقط رجال الشرطة يملؤون المكان ، و الجيران ، بقيت أيام العزاء كلها في منزل جارتنا ، لم أفهم لمَ للآن .. "..
أحسست برطوبة على خدي ، كانت دمعة ، أزلتها و ابتسمت لكريس ، و قلت :" هاها، لم أقل لأحد هذا الكلام قط ، حتى أمك ... " ، و أخفضت رأسي و أنا أشعر بالغم ...

صديق خياليحيث تعيش القصص. اكتشف الآن