بعث يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة وكان أحد جبابرة العرب وشياطينهم بعثه إلى المدينة ومعه ثلاثون ألف رجل(1)، وأوصى يزيدُ بن معاوية مسلم بن عقبة فقال: إذا ظهرتَ على أهل المدينة فأبحْها ثلاثاً، وكل ما فيها من مال أو دابة أو سلاح أو طعام فهو للجند.
خرج الجيش نحو مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله) وخرج أهل المدينة لمقابلة الجيش خارج المدينة، والتقى العسكران خارج البلدة في منطقة يقال لها: (الحَرّة) وهناك وقعت الحرب، وقُتل من أهل المدينة المئات من أبناء المهاجرين والأنصار وغيرهم من أهل المدينة، وانهزم الباقون متجهين نحو المدينة، وكان جيش الشام يطاردهم حتى وصلوا المدينة ولاذ المسلمون بالحرم النبوي فجعل جيش الشام يقتل أهل المدينة عند قبر الرسول (صلى الله عليه وآله) حتى ساوى الدم قبر رسول الله!!.
وبعد ذلك نادى المنادي في جيش الشام بأمر قائدهم مسلم بن عقبة: هذه المدينة قد أبحتُها لكم!!.
فما تظن بالجيش الفاتح الذي يُعطى له الحرية الكاملة، ويرفع عنه كل مسؤولية؟؟
فعمد الجيش إلى نهب الأموال وهتك الأعراض، وافتضوّا أكثر من ثلاثمائة عذراء، ووُلد في تلك السنة ألف مولود لم يُعرف لهم أب.
وأستأذن القارئ لأقول له: حتى أن الرجل منهم كان يزني بالمرأة المسلمة في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)(2).
كان أفراد الجيش يدخلون بيوت أهل المدينة وينهبون كل ما وجدوا فيها، وهجم أفراد منهم على دار أبي سعيد الخدري الذي كان من مشاهير أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان شيخاً كبيراً قد كفّ بصره، فوجدوه جالساً على التراب، لأن طائفة من الجيش كانت قد نهبت داره قبل ذاك، ولما فتش الأفراد داره ولم يجدوا شيئاً ما أحبّوا أن يخرجوا من داره بلا فائدة فعمدوا إلى الشيخ الأعمى المسكين ونتفوا لحيته وشعر حاجبيه وهو يصرح ويقول لهم: أنا أبو سعيد الخدري!! أنا صاحب رسول الله.
ولكنهم لم يعبأوا بهذه الأسماء، ووجدوا في بيته عدداً من الحمام فذبحوها وطرحوها في البئر وخرجوا من داره.
ودخل أحدهم دار امرأة قد نُهب كلّ ما فيها، فوجد الرجل تلك المرأة جالسة على الأرض وفي حجرها طفلها يرتضع، فمدّ الرجل يده وأخذ برجل الطفل وجذبه من حجر أمه والثدي في فمه وضرب برأس الطفل فسال دماغه على الأرض وأمه تنظر إليه.
ثم جمع مسلم بن عقبة أهل المدينة وأخذ منهم الإقرار والاعتراف بأنهم عبيد مملوكون ليزيد بن معاوية.
وبعد ذلك خرج الجيش من المدينة تاركاً وراءه الجثث وآلاف اليتامى والأرامل، طعامهم البكاء وشرابهم الدموع، وفراشهم التراب، ومتاعهم الآلام والآهات والذعر والعويل.
وخرج الجيش نحو مكة ليحرقوا الكعبة ويقتلوا الناس في المسجد الحرام لأجل القضاء على عبد الله بن الزبير المتحصن في المسجد الحرام الذي من دخله كان آمناً.
ولا تسأل عن الفجائع التي انصبت على أهل المدينة، فجيعة بعد فجيعة ومصيبة تلو الأخرى.
وأما ما قام به الحجاج بن يوسف الثقفي في العراق فإنه يشيّب الطفل وهو في المهد، ويورث الدهشة والذعر في القارئ الذي يقرأ تلك الإضبارة السوداء الشوهاء، وتستولي عليه حالة التهوّع والتقيّؤ.
حتى قال عمر بن عبد العزيز: لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئنا بالحجاج لغلبناهم. وقال عاصم: ما بقيتْ لله عز وجل حُرمة إلاّ وقد ارتكبها الحجاج!
1 - الإمامة والسياسة ج2 ص7.
2 - كتاب تتمة المنتهى للقمي.
أنت تقرأ
فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد
Historical Fictionالإهداء إلى سَيّدنا ومَولانا بقيّة العتْرَة الطَاهِرة الإِمَام المهدي المنْتظر (عليه السلام). إليْه أهدي هذه الصفحات المشرقة المتلألئة بحياة جدّته الصدّيقة الطّاهرة، ملكة الإسلام فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها). وأنا واثق أن هذهِ الخِدْمَة الضئيلة...