الفصل الرَابع : الحَقيقة I

162 9 20
                                    

ظلّت الكائنات الثلاث مُتجمدّه في أماكنها وكأن الزمان قد توقَف بِهم، أعتلَت الصَدمة وجوهَهم وحُبست انفاسهم، وعِندما عاد للكائِن إحساسه بمُحيطه عاد ادراجه واغلق الباب الذي قام بفتحه للتو، استطاع الصبيان سماع صوت الفتاة الصغيرة المُتذمر وهي تقول
- ما مشكلتك؟، لمَ اغلقت الباب بقوة؟
إلتقت نظراتُهما ببعضها لوهلة قبل ان يقول كيڤين
- ماكان هذا؟!
- هل سمِعت اسمه؟!
كان صوت صوت إيدي عالياً لدرجة ان بعضاً من المارّة امالوا رؤوسهم ليتبينوا مصدَر هذا الصوت العالي، تدارك كيڤين الوضع وقرص إيدي مُسكتاً أياً كان ماسيقوله تالياً، وقال بحدّه هامساً مُشيحاً بوجهه عن المارّة فلم يكُن مُتأكداً ان كان بعضُهم لن يعرِفوا وجهه
- إيريك ليس الآن، سنُناقش كُل هذا عِندما نكون بأمان
امسك معصمه جارّاً إياه خلفه الى حيث ماتبقى من اجزاء في البلدة لم يبحث فيها عن ستان وهذِه المرة كان يُلاحظ ادّق التفاصيل التي لم يكُن ليُلاحظها سابقاً لو لم يُنبهه عنها إيدي، كُل شيء كان نفسُه متجر خرداوات تشارلي، المكتبة، والمبنى الكبير الذي اعتاد ان يكون مشفى وحتى الطريق للبرية، كُل شيء في مكانه رُغم التغيرات الجذرية التي حلّت بِه ورُبما الزُقاق الذي استنجد بِه للهرب من هذه الكائنات هو نفسُه حيُ المتشردين الذي لطالما كان يُخيفه،

لم يعرِفا كم مِن الوقت قد مر وهما يمشيان بلا فائدة، قدّر كيڤين بأنها كانت ساعتين كاملتين، فكّر بأن كلوي ستكون مُرتابه حيال هذا الآن ورُبما اتصلت بولدتهما وبما ان لاسبيل لها للعثور عليه ستلجأ للشُرطة والذين سيكونون بلا فائدة أمام قضية كهذه ورُبما فعَل والدا إيدي المَثل أو اكثر لاسيما بأنهما يقلقان كثيراً على ابنهما الوحيد.
تمكن التعب والجوع منهما اخيراً فقررا التوقف قليلاً في داخل احدِ الأبنية والذي استنتجا بأنه مطعم من خلال هيئته، لم يكُن كذلك في عالمهم على اية حال فحسب مايتذكره كيڤين بأن هذا المبنى كان منزلا اعتادت ان تقطُن فيه عائِلة ستيفاني وهي فتاة تدرس معهما في نفسِ الصف، لم تبدو هذِه الفكرة بأنها قد أعجبت إيدي فقد بدأ في التذمُر
- هل انتَ جاد في هذا؟!، لن اقوم بأكل أي شيء في هذا المكان
- انت لم ترَ طعامهم حتى!
جائهم صوتُ رجُل خشن من خلفِهُم كاد ان ينتشل قلوبَهم من مكانها
- مالذي تقوله يا فتى ان طعام جوي فود من افضل الأشياء التي حدَثت في حياتي.
كان قد وضع كفّه الغليظه على كتِف إيدي الذي استطاع بصعوبة كتم صيحة رُعب كادت ان تُفلت منه، لم يجِد كيڤين وقتاً ليقلل دفاعه بعد ان عرف بأن هذا الشخص قد فهم كلام إيدي بطريقةٍ آخرى لذا قرر ان يسري مع التيار
- صحيح احاول إخبار إيريك مراراً ان يُجرب قبل ان يحكُم
بدأ الرجُل يثرثر عمّا يُحب ويكره وكم سيكون من الأفضل لو اضافوا هذا او ازالوا هذا، ولم يثِر الحديث بطبيعة الحال اهتمام كيڤين كثيراً فقد اخذه الشرود في مُعظمه، وعِندما سكتَ الرجُل لثانية على الأرجح ليلتقطَ انفاسه وجدها كيڤين فُرصة للتهرب منه لذا جذَب إيدي لداخل المطعم مُودعاً الرجُل بذراعه الأُخرى.
لم تكُن الأجواء في الداخل مثل ما توقعها كيڤين، فالرائحة  كانت كرائحة أي مطعم آخر طغى عليه رائحة اللحم المشوي وليس جوارب مُهترئه او بيض مُتعفِن كما كان يتوقع وأما المكان نفسُه فقد كان نظيفاً بقدرٍ ما، حسناً ليس في اوجِ نظافته لكنه لم يكُن قذرا، واضاءة المكان بعثَت شيئاً من الراحة في قلبيهما فضوء القمر القرمزي المُخيف ذاك كان قد حُجِب عن طريق الستائر المُسدلة على النوافذ، لأول نظرَة ستعتقد بأنه مُجرد مطعم عادي لكن ما ان تحطَ عيناك على الزبائن او العاملين سيتغير رأيك في ثواني.
أرشدهما النادل الى اِحدى الطاولات الخاليه وحثّهم على الجلوس، جلسا مُتقابلين واعطاهما قائمة الطعام ثُم رَحل، كان إيدي مُعقداً ذراعيه ناحية صدرِه طيلة الوقت رُبما لم يشأ ان يعتقِد كيڤين بأن لا مُشكلة لديه مع الفكرة واراد توضيح ذلك اكثر حين قال
- هذا خاطيء كُلياً، ظننت بأن المشاكل هي من تتبعك لكن اتضح بأنك انت من تتبعُها
- اسمع نحنُ لانعرِف كم من الوقت سنمضيه هُنا  وان كانت المُدّة طويلة علينا ان نتكيف مع ذلك عاجلاً ام آجلاً فببساطة ان لم نأكل سنموت
- انا لن أتكيّف هُنا! افضّل الإستمرار في البحث عن طريقة للعودة الى اخر لحظة
- لن تستطيع البحث دون طعام على أية حال
قالها وقد بدى لا مُبالياً رُغم ان مايشعر به عكس ذلك، كان يُحدُق في لائحة الطعام بينما يتجادل مع إيدي ومن ثُم قرر مُشاركته بها
- انظر، لا يبدو طعامهم مشبوهاً
- لا يهمني شكله
تنهد كيڤين فاقداً الأمل فيه وقرر اختيار اكثر شيء عادي في تلك القائمة، اراد ان يبتعد عن ايُ لحوم فيها ويلجأ الى الطعام النباتي او رُبما بيضاً فعلى الأقل لن يكون بيض انسان، لكنه لم يجِد أي شيء كهذا فكُل مافي القائمه مُرتبط باللحوم ولا يوجد بيض حتى، أوجس هذا فيه الشك واراد ان يُفكر مرة آخرى قبل ان يقرر ان كانت فكرةً جيّدة هي تناول شيء في هذا العالم، لكن النادل لم يسمح له فقد تقدَم ناحيتهم مُمسكاً بقلمه وورقته وسألهما عمّا يرغبان بِه، لم يُرد كيڤين ان يثير الشكوك حولهما، لذا ردد أول كلمةٍ حطّ عليها بصره في القائمه على مسامع النادل وطلب لإيدي شيئاً ما يجاورها، رمقه الأخير بنظرته لكنه لم يعلق قبل ان يتلاشى النادل من انظارِهما
- ستضطر لأكل وجبتين
التزم الصمت قليلاً قبل ان يردِف
- لا أعرِف ان كنت قد لاحظت هذا لكني لا ارى اي حيوانٍ في الجِوار
- لا يعني ان كنت لاتراها انها غيرُ موجودة
رُغم ماقاله إلا انه يوافق إيدي الرأي تماماً خصوصاً ان لاشيء غير اللحم موجود على تلك القائمة لكنه لم يُرد ان يبدو كالجبان امامه ويتخلى عن فكرته، تنهد في نفسه بضيق، هذا ليس الوقت الملائم  للشجار على الإطلاق، لكن من يستطيع لومهما في ظروف كهذه يزداد انفعال الإنسان ولايستطيع التحكُم في نفسه.
في تلك الدقائق القليلة من الإنتظار، اقتحم احدُهم المطعم راكِلاً الباب بقدمه على مصراعيه ولم يرعِب هذا الولدان فحسب بل جميع من كان يجلِس في حاله على المقاعِد لكن رُبما كان خوفُهما مُضاعفاً نظراً لكونهما لا ينتميان لهذا العالم ولم يكُن ليزداد خوف كيڤين أكثر من ذلك لو لم يرى اللون الذي يرتديه المقتحمون، الأبيض..ماحذّره ستان من الإقتراب منه ومن ارتداءه، والأسوأ هو ان ماطارده ذلك اليوم كان يرتدي اللون نفسَه، بدأت يداه بالإرتجاف بينما تبحثان عن شيء تُخفيان بِه وجهه لكن لاجدوى فاضطُر لإخفاض وجهه ناظراً لقدماه العاريتان بينما يدعو ألّا يلحظوه...ماذا لو عرفوا بأنه هُنا منذ البداية وجاؤوا للقبض عليه؟
تصرُفات كيڤين زادت من رعب إيدي فإضطر لسؤاله هامساً ليُسكت قلقه
- مالأمر؟، أتعرفهم؟
- انهم يرتدون الأبيض
بدا ان إيدي قد فهِم الأمر ولم يحبذ ذلك، لم يستطيعا فِعل شيء سِوى الجلوس ساكنين مُتظاهرين بالهدوء فلن يجلِب هربهما في هذه اللحظة سِوى المشاكل، خصوصاً ان ليس هُناك ماكنٌ للهرب اصلاً فأحدُ الرجلين يحجبِ الباب بجسده بينما اخذ الآخر يتقدم شيئاً فشيئاً ناحية مكتب الإستقبال يُخاطب الرجُل الواقف خلفه بصوت جهوري حاد وغاضب كأنه يُطالب الجميع الإصغاءَ له
- لماذا لا ارى ضوء القمَر في هذا المكان؟
بدا ان الإرتباك قد تمكن من موظّف الأستقبال حيث بدأ يُجيب سؤاله بكلمات مُتقطعة وكل ما يستطيع السامع فهمه من كلامه هو التوسل والترجي للصفح عنهم وانهم لن يُكرروها مُجدداً، لم يبدُ صاحب الرداء الأبيض مُهتماً بما يهذي بِه الرجُل حيث اردف بنفس صوته الجهوري
- أتعرِف انكَ بفعلتك هذه ترفُض حُكم هذا البلد لا بل العالم بأكمله
- سيدي ارجوك، انه خطأ بسيط لم نقصِد بِه شيئاً
- من هوَ المسؤول عن هذا "الخطأ"؟
- لا أعرِف
- احضِر جميع الموظفين هُنا في الحال بمن فيهم المدير وإلا ستنالون العقوبة جميعكم!
انتشل موظف الإستقبال قدماه الهزيلتان من الأرض بصعوبة ملبياً امر صاحب الرداء الأبيض ولم يتطلب احضار جميع العاملين الكثير من الوقت فكُل مافعله هو ان ضغَط على زِر مُلتصق بالجدار خلفَ مكتب الإستقبال وسُرعان ما توافد العاملون مُهرولين الى مكان الحَدَث في حين قال موظّف الإستقبال بتوتر
- لقد اتصلتُ بالمدير للتو سيأتي حالاً
- اذا لا داعي لإنتظاره
حاول بعضُ الزبائن الخروج من المكان متاحشين سوء ماستؤول إليه الأُمور لكن تمّ منعهم من قبل الرجُل الآخر والذي اصبح حارساً للباب الآن فنطق صاحب الرداء الأبيض مُخاطباً جميع المتواجدين
- ارجو منكم عدم المُغادرة قبل انتهاء الأمر كله، لاتخافوا انتم في مأمن كل ماهو مطلوب منكم هو ان تشاهدوا وتتعلموا درساً من خلال هؤلاء العاملين وان لا تحذو حذوهم
اعاد رأسه ناحية الموظفين الذين قد شحُبت وجوههم رُغم لونها المُعتم إلا ان شحوبها كان واضحاً واخذت اطرافهم في الإرتجاف، كان كيڤين يُحدِق فيهم بتمعن ويشفق على حالهم، صحيحٌ انه شعر ببعض الراحة كون ان المشكلة لاتتمحور حوله بل عن شيء يتعلق بطريقة ما بالقمر!
وبينما كان يجول ببصرِه بين وجوه العاملين وجدَه اخيراً، ستان كان يقِف هُناك معهم، واجه صعوبه في استبيان هويته في البداية لكنه مُتأكدٌ الآن بأنه هو، أكان يعمَل هُنا طوال الوقت؟، اوه لو أتى الى هذا المكان في وقت أبكر لكان قد خلَص نفسه وستان من مشكلة عويصة، همَس إيدي بتوتر وسط افكار كيڤين
- مالذي يحدُث؟
لم يجبه كيڤين بل مدّ اصبعه اسبابه امام فمه آمراً إياه بأن يلتزم الصمت وطوال هذه الأثناء كان يحاول إخفاء وجهه قدر الإمكان عن انظارهم.
بدأ الرجُل يمشي ذهاباً واياباً امام وجوههم المُنخفضة تنظُر لأرضية المطعم الخشبيه وقال
- سأسألكم مرّة واحدة ولا داعي للإنكار، من الذي أسدل جميع الستائر؟
تحدَث موظَف الأستقبال اولاً
- أخبرتك ياسيدي، لم يسدلها احدٌ عن عمْد لقد كان حادثاً
احتدّ صوتُ الرجُل وقد اصبح عنيفاً قسمات وجهه كانت توحي بالجدية ولم يكُن يعبث معهم عِندما قال
- لم يكُن سؤالي ان كان الحادث مقصوداً ام مُتعمداً!
سكت لبرهة واقترب من وجه موظف الإستقبال وهسّ بصوته
- سؤالي هو، من فعلها؟
ابتلع الموظف ريقه بالكاد وتراجع خطوةً مُقررا ان يلتزم الصمت، عاد الرجُل ينظُر الى وجوه المُوظفين جميعاً مُراقباً ماقد تُخبره بِه قَسمات وجوههم، كانت بعضٌ من تلك الوجوه قد لفّها الرُعب والخوف بالكامل والبعض الآخر كان خوفُه أقل من هذا بكثير، استنتج كيڤين بأنهم رُبما يعرِفون الفاعل ولايرغبون بالإفصاح عنه وهذا يضعُ حملاً ثقيلاً على كاهلهم، على أية حال لم يكُن ستان مِنهم بل كان هادِئاً او رُبما أقلهم هدوءاً، إلا ان كيڤين قد لاحَظ تعبيراً غريباً على وجهه لكنه لم يكُن تعبيرا للخوف على الإطلاق فكيڤين اصبح يعرِف شكل هذا التعبير جيّداً مؤخراً.
كان الحارس قد قام برفعِ جميع ستائِر المطعم مِما سمَح لضوء القَمر القرمزي بالإنسياب للداخل مُغطياً كُل شيء بحمرة الدم ممِا اضفى للمكان جوّاً اكثر ثُقلاً ومهابة، قال الرجُل دون ان يزيح ببصره عن تلك الوجوه أمامه
- كُل من يعرِف الفاعل بينكم لديه فُرصة للحصول على مرةٍ إضافية وهذا سيَكون مُفيداً جداً لبعضِكم أعني من تبقَت لديه مرةٌ أخيرة فمن الأفضل ان يُسرع قبل ان ينتهز غيره هذه الفُرصة، لذا سأقولُها مرةً اخيرة، من الذي فعلها؟، من الذي ابدى رفضاً بقوانين وحُكم هذا العالم؟
اجابه صمتٌ تام ماكاد أن يلبث طويلاً قبل ان يُسمع صوت صرير الباب يُفتح، كان الحارس هو من يقوم بفتحه سامحاً لمن يقِف في الطَرف الآخر بالدخول والذي تقدَم بهدوء واحترام لم يُخفيان توتره الى مكان الحدَث مُعرفاً عن نفسِه
- انا المدير ياسيدي جئت بأسرع مااستطيع
- أين كنت طيلة هذا الوقت؟
- كنت قد ذهبت لزيارة ابني في المشفى قبل فترة قصيرة وكنت سأعود حالَ ما اطمئن عليه لم تكُن لي أيُ نيةٍ في التأخر ياسيدي
- اعتقدك تعرِف سبب مجيئك الى هُنا؟
- صحيح، لا اصدق بأن احداً من موظفيِي قد فعلاً شيئاً مُشيناً كهذا ياسيدي
كان مدير المطعم خاصِعاً لمن أمامه تماماً مُطأطاً رأسه موافقاً على كُل كلمةٍ يقولها، لم يستطِع إيدي كتمان سؤال آخر يدور في عقله لذا سأل كيڤين هامساً مع علمه عن عدم حصوله على الإجابةِ منه
- كيف يُمكن ان يكون إسدال الستائر عملاً مشيناً؟
سكت قليلاً ليسمح لأنفاسه الثقيله والمتوتره بالخروج ثُم اردف بصوت جاف
- تلك الكائنات مجنونة ياكيڤين!
لم يرُد كيڤين بل استمر في مشاهدة مايحدُث امامه في سكون
- اذاً ستكون مُطيعاً وستُساعد في القَبض عليه
- لحظَة!
كان هذا ستان والذي قد قاطع للتو حديث الرجُل مع المُدير فمن الأفضل له في هذِه الحالة ان يكون في جعبته مايستحق ذلك، إلتفت إليه الرجُل نصف استداره بنظراتٍ جامدة مُنتظره حثّت ستان على المُتابعة
- انا اعرِف الفاعل
اصبح الرجُل مُهتماً فقد استدار جسدُه كاملاً ليُواجه ستان ثُم قال
- حسناً، انطق، من هو؟
- إيثان...

---

نهاية الجزء
يتبع...

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Dec 21, 2018 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

عالمٌ آخر | Another worldحيث تعيش القصص. اكتشف الآن