جلست فيفيان على رمال الشاطئ تنظر الى غروب الشمس بعيون حزينة دامعة لقد كانت هذه هي المرة الاولى التي تاتي لوحدها الى هذا المكان لم يكن جمال الافق ورونق اللون القزحي كافيان لينشلانها من افكارها وآلامها ، جلست وهي تحضن بكفها كومة من الرمل تضغط عليها تارة وتارة تحررها ، وكأنها غاضبة من الارض وما عليها ومصرة على الانتقام من القدر الاليم الذي جمعها مع طارق وفرقهما الى الابد عندما تذكرت تلك العيون الدافئة وصمتها بين ذراعيه تدفقت بنهرين غريزين من الدموع الساخنة المليئة بالشوق العاصف ليطرق ابواب الحب في انحاء الكرة الارضية ويستأذن السماح والولوج الى اعماقه والرجوع الى الماضي الى اليوم الذي التقت به .
فيفيان فتاة خلوقة تتمتع بجميع الصفات التي تخولها لان تكون الفتاة المثالية بين شقيقاتها الستة لقد كانت تضج بالحيوية والنشاط والابتسامة الدائمة حنونة اما الجميع تحب برفق وتعشق الأزهار لم يكن جمالها انكليزيا ولا فرنسيا ، لقد كانت تتمتع بجمال عربي اصيل ، تحمل على رأسها تاج من الشعر الاسود الداكن الناعم الملمس والعينان السوداوين تحمل سر وقوة العاصفة وسواد الليل وبياض النهار اي عيون واسعة سوداء وبياض شديد حولها .
الشقيقات الستة لم يكن بجمالها لقد كانت فيفيان الفتاة البكر لعائلتها وهي صاحبة الراي والفتاة المطيعة دائما . كانت تتمتع بروح الحكمة والنصيحة الصائبة كانت الساعد الايمن لوالدها ، الذي احبته باعماقها وتعلقت به كثيرا ، كما ان والدها كان يفضلها على شقيقاتها فهي من ام عربية احبها والدها حبا كبيرا ، وكانت قصتهما عاصفة ومؤلمة لقد تزوجها بغير رضا اهلها وجاء بها الى قبرص ، وكانت فيفيان باكورة حبهما ، ومع مرور سنة على ولادتها فقدت الام بصرها بسبب عملها المستمر والمؤلم في مختبر للمواد الكيماوية السائلة ، فقد اصابتها رائحة من تلك المبيدات المميتة ولم تكن ترتدي قناعا واقيا مما سبب تغلغل تلك المواد الى عينيها ليفقدها البصر تماما لم تحتمل والدة فيفان هذه الآلام وضعفت مما انحلها واصبحت غير قادرة على الاستمرار في العيش فودعت الحياة وهي تحتضن طفلتها الصغيرة .
بقيت فيفيان تحت رعاية جدتها لان والدها ملتزم بالسفر وهكذا تعرف على انطوانيت وتزوجها ورزق منها ست بنات جميلات خفيفات الظل مما اضطر بفيفيان للعيش مع زوجة اب ولكنها كانت سعيدة معهم لقد كانت الفتاة السابعة المطيعة والساعد الايمن لزوجة ابيها ايضا ، انما والدها كان يعاملها بشكل خاص ويوليها كل اهتمامه لانها حبه الراحل والدائم ابدا .
انهت فيفيان دراستها العليا والتحقت بمعهد قبرص للكومبيوتر واتقنت البرمجة وادخال المعلومات . والطبع عليه ، واستلمت وظيفتها في مركز للصف الطباعي الالكتروني .
مارست وظيفتهابحب واتقان تعلقت بها كثيرا ، مما ساعدها على ملء فراغها بالعمل الدؤوب ، كانت صديقاتها في تلك المؤسسة يحترمونها ولكنها لم تختلط معهم كثيرا لان كل واحدة منهم لها حياتها الخاصة ، وصعب الاتصال بهن .
ذات يوم وبينما هي جالسة امام جهازها سمعت اسمها على الانترفون .
- آنسة فيفيان الى المكتب من فضلك .
ابعدت الكرسي ووقفت جامدة وتساءلت ( ما الامر يا ترى ) ، توجهت نحن المكتب وكان المدير رجل بين الخمسين والثانية والخمسين من العمر دخلت وهي تلقي تحية رقيقة :
- نعم حضرة المدير
- اقتربي يا فيفيان ، اقتربت فيفيان من المكتب
- اجلسي ارجوك ، جلست مقابل رجل في العقد الثلاثين من العمر ، لم تنظر اليه كفاية كي تميزه كانت نظراتها نحو الطاولة الصغيرة الموضوعة امامها .
- هذه آنسة فيفيان سيد طارق ، ارجو منك ان تعطيها التعليمات الكاملة حول بحثك وكيفية عمله فهي ستساعدك حتما لكي يكون كتابا انيقا ، انها المرة الاولى في شركتنا .
- شكرا سيدي ، قالت فيفيان بنعومة .
- حسنا متى استطيع البدء معك ايتها الآنسة ، سألها السيد الاسمر .
- عندما يأمر سيدي المدير ، اجابته فيفيان بتأن.
- حسنا فيفيان يمكنك البدء من الآن ، ارجوك يا سيد طارق تفضل مع الآنسة الى مكاتبها وهناك تضعان الملاحظات التي يجب استخدامها والاشياء التي يتم حذفها حسب رغبتك .
- شكرا ، وتقدم نحو فيفيان بخطى ثابتة ، وقال لها :
- هل انت جاهزة يا آنسة
- تفضل يا سيدي ، اجابته فيفيان بصوت مهذب رقيق .
دخلا الى المكتب وجلست على كرسيها بحذر ، كان السيد الاسمر ينظر اليها بنظرات فضولية متفحصة مما اربك فيفيان كثيرا قالت له :
- تفضل يا سيد طارق .
- امسك السيد الاسمر الطويل القامة بالملف الذي بين يديه وفتحه ووضع الاوراق امام فيفيان واقترب منها مشيرا الى بعض الكتابات الكبيرة بالخط الاحمر وهو يقول :
- جميع هذه العناوين التي بالاحمر اريدها عناوين كبيرة ، وكل ما تحته خط ضمن النص يكون اسود ، ومن ثم ارجو الانتباه لفقدان الاوراق يا آنسة لانني غير مستعد لان افقد اي ورقة من هذا الملف ، قال لها محذرا وكأتها لاول مرة تستلم كتاب وليس لها الخبرة الكافية .
انزعجت فيفيان من هذه الملاحظة مما اربكها جدا نظرت اليه بحنق وقالت :
- سيد طارق ان واجبي هنا يحتم علي المحافظة على عملي وتحمل المسؤولية الكاملة لاي عمل اقوم به فليس من الضروري ان تحذرني من فقدان الاوراق فالمسؤولية هنا تقع على عاتقي وواجبنا ان نساعد الكاتب وليس ان نعرقل عمله .
- حسنا ايتها الآنسة انا متأسف ، ثم اضاف وهو ينظر اليها بعينين فاحصتين .
- هل استطيع ان ارى انواع الاحرف الموجودة في جهازكم ؟
- حسنا ، قامت فيفيان واتت بلائحة مصورة لجميع الاشكال والاحجام التي تبرمج على الجهاز لتعطي العناوين المطلوبة .
- تفضل يا سيدي .
- شكرا لك ، هل استطيع ان استعمل هذا الحرف ؟
- بكل سرور يا سيدي .
- وهذا الحجم .
- نعم سيدي .
- والمسافة الطولية للصفحة هل استطيع ان استعمل هذا القياس ؟
- القرار يعود لك سيدي .
- الا تلاحظين بانك لا تعطيني رأيك جيدا ولا حتى بأمر واحد ، انت لا تقولين الا نعم سيدي ، حاضر سيدي ، لا بأس سيدي ، الا تريدين ان تعطيني رأيك بكل صدق ووضوح ؟؟
- نعم ولكن القرار يعود لك بالنهاية .
- لا بأس برأيك ، أليس لديك الخبرة في طباعة الكتب الشعرية ؟
- نعم ، وجميع الكتب ايضا ، منها العلمية والمدرسية والمجلات والابحاث للجامعات كل هذا من اختصاصنا سيدي .
- المعذرة يا آنسة ، هل أطلب منك بان لا تناديني بسيدي أرجوك ؟
- لا استطيع لان عملي يحتم على احترام الزبون يا سيدي .
- حسنا كما تريدين ، ولكن ارجوك قللي من كلمة سيدي قدر المستطاع .
- حسنا ، قالت له وهي تبتسم بلطف .
- يا آنسة ، سألها
- نعم ، قالت له وهي تنظر الى الكتاب الذي بين يديها .
- أنا اؤمن بخبرتك في العمل ، وبما انني لا استطيع ان اراقب كتابي وكيفية طبعه وليس عندي الوقت هل توافقين ان تستلميه انت حسب رغبتك تضعين الحرف والعناوين ، كما تريدين ؟
- اذا كنت تفضل ذلك ، فهذا جيد ايضا ، انا استطيع ذلك .
- حسنا سأترك لك الخيار في كل شئ .
- حسنا
- كما ان هناك كتاب ثاني تابع لهذا الكتاب وهو الجزء الثاني وسوف اجئ به في المرة القادمة ، ولكن الآن باشري بهذا ليكون كبداية لتعاملنا .
- حسنا يا سيدي .نهض من مكانه وتوجه نحو الباب خارجا وهو يضرب لها موعدا لمراجعة الكتاب والقاء نظرة عليه وللاجابة على بعض الاسئلة اذا كانت هناك اية مصاعب فيه ، ثم وافقته على مرور اسبوع ثم يكون الكتاب جاهزا للتصحيح .
خرج طارق بقامته الطويلة ولكن بخروجه كانت فيفيان تراقبه بنظرات انثوية شيقة مما دفعها الى السير خلفه على مهل وهي تتبعه بنظراتها وبمروره من اما مكتل صديقاتها ، توقفت جمع الاجهزة بنظرات مشدودة وهم يتساءلون عن هذا الرجل الغريب الذي يملأ الارض وراءه تساؤلات واجابات غير واضحة ، وبعدما غاب عن الانظار التفتن نحو فيفيان وبعيونهم مئات الاسئلة الفضولية مما دفعها الى القول وهي تشيسر بيديها علامة عدم المعرفة والاستغراب .
- لا شئ ، لا اعرف شيئا سوى ان اسمه السيد طارق ، ها هذا يسد جوع فضولكن .
ضحكت الفتيات لتسرع فيفيان في تبرير معرفتها بهذا السيد مما ادخل الى قلوبهن السلوى .
أنت تقرأ
القيود "للمؤلفة : ازو كاوود"
Romanceفيفيان فتاة في الثانية والعشرين من العمر ، من ام عربية واب اجنبي . توفيت والدتها وبقيت وحيدة والدها ، وبعد مرور سنوات على زواجه فقد اصبح لها ست شقيقات جميلات ولكنهم ليسوا بجمالها . عندما تعرفت على طارق الشاب الاسمر الجميل العربي الذي يحمل في وجهه جم...