٣

441 44 4
                                    

كان يحدق بعينين خاويتين،
وجه دام، شعر أشعث غير مرتب و ملابس مهملة،
بينما فتى آخر يرفعه من قميصه ليلكمه مجددا و يقول:
" هذا لتفكر بسرقتي مجددا أيها المختل!"

دفعه بقسوة ليصطدم ظهره بالحائط و يسير الفتى مبتعدا مع صديقيه،
ليضيف أحدهما:
" إنه ابن ذلك السكير، شيمورا أليس كذلك؟"

"بلى، الطيور على أشكالها تقع"

بعد ابتعادهم نهض لينفض ملابسه و يتحسس جيب بنطاله،
سار عائدا نحو المنزل بعد أن أظلمت الدنيا ليجد والده و أصدقاء والده في انتظاره، جالسين في الصالة بعد أن صارت وجوههم حمراء من آثار الشراب،
بحث في جيوبه ليخرج محفظتين و ساعة ليضعهم على الطاولة بحذر،
سحبهم والده ليتفقدهم ثم قال:
" لا بأس بهذا لليوم، يمكنك الذهاب لغرفتك"

جر تينكو قدميه بصمت ليذهب لغرفته،
حيث كانت ترقد والدته فيما سبق،
تحسس الفراش بصمت لتجري دموعه و هو يفكر،
لو كان والده يصرف عليها كما يصرف على أصدقاءه لما ماتت، هو السبب.
مرت في ذكراه صورة وجه والده الباسم بتوعد،
كفكف دموعه بسرعة ليردد:
" سأحافظ على الوعد، أبي يحبني، إنه لا يكرهني،
سوف أبقى معه"

ابتعد عن الفراش ليجلس على الأرض و يلصق ظهره بالباب،
فوصل لسمعه صوت صديق والده:
" شيمورا، أليس تينكو صغيرا على ذلك؟
إنه في السادسة فقط..."

"لا، إنه بخير و بصحة جيدة، يمكنه تحمل كل شيء،
كم ستدفعون؟"

"ألفي ين"

" حسنا، إنه لكم لهذه المرة، هيا اعطني المال الآن"

أغمض الصغير عينيه و كاد أن يغفو ليسمع صوت والده الهادر:
" تينكو! أين أنت أيها الولد!"

فتح عينيه بذعر لينهض و يسرع خارج الغرفة،
تقابلت عيناه مع عيني والده الذي خاطب أصدقاءه:
" ها هو ذا"

نظر تينكو بحيرة نحو والده لينهض جميع أصدقاءه مترنحين و يحدقون نحوه بنظرات مريبة فاحصة،
اقترب أحدهم ليقول:
" إنه لطيف مثل والدته، نفس الملامح الجميلة و الشعر... فقط هاتان العينان المخيفتان مثلك يا شيمورا،
لكن لا يهم."

ثم أمسك بيدي الصغير بقوة ليقترب آخر و يمسكه من الخلف، اقترب الثالث ليشد له ملابسه محاولا نزعها عنوة،

لتتسع عينا الصغير بذعر و يصرخ و ينظر نحو والده بخوف قائلا:
" أبي! أبعدهم عني! أنا خائف! "

جمع شيمورا المال من الطاولة لينهض خارجا بسرعة و يغلق باب المنزل خلفه،
شعر تينكو بالإختناق ليدين أحاطتا بعنقه و أخريات تمزق ملابسه،
و جاءه صوت ثقيل:
" مم تخاف أيها اللطيف؟ نحن لن نقتلك، لقد اتفقنا مع والدك، فقط لا تصرخ، حسنا؟"

تلاشى صوت تينكو ليغمض عينيه.

كان ضوء مصباح الغرفة الساطع المسلط على وجهه كفيلا بجعله يفتح عينيه، كان يشعر بثقل في جفنيه، جاهد لينظر في الأرجاء قبل أن يجلس بصعوبة بالغة بسبب الكدمات في جميع جسده،
إنه المساء، نظر للفوضى العارمة حوله ليقع بصره على ملابسه الممزقة المرمية جانبا،
ليتذكر ما جرى في الليلة السابقة و يبدأ في الإرتجاف،
اسرع لركن الغرفة ليتلفلف بالأغطية، عيناه تراقبان المكان بسرعة بنظرات مفزوعة، أمسك برأسه ليصرخ و يشد شعره بقوة لتتساقط بعض الشعرات من بين أنامله،
ثم أسرع لخزانته ليرتدي ما وقعت عليه عيناه،
بدأ بهرش جلده بقسوة إلى أن سال الدم من عنقه لتنزل دموعه و ينهار على الأرض،
كفكف دموعه بسرعة عندما تذكر تهديد والده لينهض بصعوبة و يعرج خارج المنزل حافيا.

وصل لزقاق ضيق ليتكور على الأرض بعينين محدقتين،
ليتمتم هامسا:
" أبي يهتم بي، أبي لا يكرهني، أنا أحب أبي، أنا سوف... أبقى معه، هو لا يكرهني، هو لا يكرهني، الوعد...الوع.."

رفع رأسه إثر أصوات خطوات تقترب منه رويدا رويدا، اتسعت عيناه برعب لرؤية وجه والده الباسم،
نهض بسرعة ليقترب منه والده بابتسامة عريضة قائلا:
" إلى أين، صغيري؟ ألم نقل من قبل بأننا سنبقى معا؟ هيا لنعد للمنزل؟"

ابتعد تينكو للخلف ليجيب بذعر:
" لا... لن أعود.."

اقترب والده أكثر ليمسكه من شعره بيمناه بعنف و يضيف بابتسامة:
" أنا أهتم بك، سنعود للمنزل، و ستبقى معي"

اتسعت عينا تينكو برعب ليمسك بيد والده بكلتا يديه و يصرخ بفزع:
" ابتعد عني! فلتمت! "

بدأت يد شيمورا اليمنى بالتيبس ثم التفتت فجأة في غضون ثوان،
انتشرت التيبسات في جسده في غضون ثوان لتتفجر الدماء من جسده ثم يتفتت كالتراب،
كانت ثمة ابتسامه على شفتيه لكنها اختفت حين تفتت وجهه،
أمسك تينكو بيسرى والده بفزع،
بعد ثوان كان والده قد تفتت لرمال في الهواء، مع بركة كبيرة من الدماء، و يد فقط.

رمى تينكو اليد لتسقط في بركة الدماء،
كانت ملابسه مغطاه بالدماء، يداه ووجهه،
رفع كفيه المرتعشتين ليدرك بأن قدرته قد ظهرت الآن، و قد قتل بها والده.

جثى على الأرض بتعابير خاوية لينظر نحو بركة الدماء و يتمتم:
" أنا لم أكن أقصد... لم أكن أريد قتلك.. أنا.. آسف،
أبي.. أنا لم أكن أقصد"

لاحظ تينكو مجموعة الناس التي بدأت تحيط به لتعرف ما جرى،
فحمل اليد المقطوعة ليركض بها بعيدا،
دخل عبر عدة أزقة مظلمة و هو يتمتم لها:
" لم أكن أقصد... سنكون معا يا أبي، سنكون معا دائما..."

جلس تينكو على الأرض في الشارع،
بوجه شاحب دام مليء بالجروح، و عينين متسعتين بذعر و تنظران نحو اللا شيء،
نظر بخواء نحو المارة الذين يسيرون في الطريق،
مع عائلاتهم، مع أصدقائهم،
لاحظ الشاشة الكبيرة التي تحمل الخبر الحصري لمواجهة البطل أول مايت مع الشرير الأعظم أول فور ون،
و فيديوهات عديدة لإنقاذه المستمر لآلاف،
ظهرت الصورة عريضة في المبنى حيث يحمل أول مايت العشرات على كتفيه،

بالرغم من تدمر المنطقة و الحرائق التي تعمي العيون، و الجروح التي تعرض لها،
التفت بابتسامة واثقة قائلا:
" لا تخافوا! هل تعلمون لماذا؟
لأنني هنا! "

هتف الناس في الشارع بحماس معه:
" بلس الترا !"

هلل الناس في الطرقات و هم يتحدثون عن البطل الرائع الذي ظهر و أنقذ اليابان،
شد فتى صغير والدته ليقول :
" أمي، انظري أول مايت! إنه بطل رائع! "

جرجر تينكو قدميه ليبتعد نحو زقاق أبعد،
جلس على الأرض و عيناه متسعتان و فمه مفتوح بفراغ، الأبطال، أول مايت،
مهمة الأبطال هي إنقاذ الناس، إذا لماذا لا ينقذونه؟

تذكر ابتسامة أول مايت لتتغير ملامحه،
ثم تمتم بخفوت:
" أول مايت، أنا أكرهك"

ذكريات متحللةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن