الباب الأول: دعني أتعرف عليك جيدا

418 6 3
                                    


استيقظت صباحا بكامل نشاطها وحيويتها لتلبس ثوبها الأبيض البسيط الذي عكس جمال قامتها فهي لاتحب التعقيدات وكأنها لا تهتم لإبراز لأنوثتها إلا عندما تحتاج ذلك حقا حتى اسمها غريب نوعا ما نبض الذي كلما ورد على الأذهان أشار للقلب, هي تعيش مع أختها في حي شعبي بعيد عن صخب الجزء الراقي من المدينة حيث اضطرت للانتقال للعمل لتساعد والديها اللذان يقيمان بقرية صغيرة , فعائلتها تعني لها الكثير وهي أغلى ماتملك .

نظرت إلى نفسها بعيونها البنية التي تعكس لون لهيب نار حارقة في المرآة مطولا ممسكة بخصلات شعرها الطويل وظلت على ذات الحال إلى أن دخلت أختها الأصغر منها فرح لتنطق: صباح الخير أختي

نبض: صباح الأنوار عزيزتي

فرح: هل ذاهبة إلى العمل إذا?

نبض: صحيح تعرفين أنني أعمل محاسبة في بنك شهير وعلي أن أقدر ذلك وأن لاأتأخر فمديرنا يكره شيئا مماثلا فهو يحب الانضباط

فرح: فليوفقكي الله تعالى ولتقضي يوما طيبا أنا سأذهب لجامعتي لدي بعض المحاضرات علي أن لا أغيب عنها

نبض: حسنا صغيرتي

ربما ماذكرته نبض ليس كرها لمديرها وإلا لم يتمكن اي أحد من رؤية البريق الذي اجتاح عيونها سرعان ما ذكرته وإنما وصف دقيق لشخص مثله فهو مدير بنك لايتحمل الخسارة متغطرس بمعنى الكلمة وإن صح القول انسان بخصال غامضة يغلب على طابعها الغرور فربما المنصب الذي يتولاه والمسؤولية التي تقع على عاتقه جعلته على هذه الحال ومن قوانينه لاتأخير ولا إجازات بدون سبب مقنع هو هكذا فإلى أين سيؤدي به ذلك هل يأتي يوم ويتغير فيه أم أن التغيير على أشباهه مستحيل?

بعد أن سارت في الطريق تمشي وتحدق بواجهات المحلات الفخمة سائلة نفسها متى يمكنها أن تبتاع مثل تلك الملابس والأحذية التي تجعل منها أميرة دون النظر لحقيبتها والتأكد أن هناك الباقي من النقود التي تكفيها لأخذ سيارة أجرة تقلها لبيتها, توجهت الى البنك الذي تعتبر أحد موظفاته جلست في مكتبها الذي تشاركها به عاملة أخرى اسمها رحاب فهما كباقي النساء يتشاركان إلى جانب الحديث عن العمل مواضيع أخرى كالطبخ وغيرها من الأمور التي تعنى بها المرأة وتجعلها أحد أولوياتها .

رحاب: سأذهب لتوصيل هذا الملف للمدير عليه أن يطلع عليه

بمجرد سماع كلمة مدير نهضت بلاوعي وطلبت أن تأخذه هي حتى أنها أثارت فضول زميلتها التي لم ترد أن تبدي ذلك .

دقت الباب لتدخل بعد أن أذن لها بذلك فوجدته منغمسا يدقق في الكم الكبير من الملفات الموضوعة أمامه, بقيت تنظر إليه حتى رفع رأسه نحوها ليقول: هل انتهيتي? لترد هي بنبرة صوت خائفة: عفوا!! فأجابها هو الآخر: العفو كلمة تقال عند الخطأ وأنا لاأحب ذلك إذا ارتكبتي شيئا مماثلا يمكنني التوقيع على ورقة استقالتكي , مازالت لاتصدق ماسمعته لتنطق بسرعة والتوتر ظاهر على ملامح وجها :آسفة , أقصد لم أرتكب أي خطأ , جئت لأقدم لك هذا الملف وانصرف, بقي يحدق بها ثم هز برأسه كدلالة منه على القبول ليستلم منها الملف ويكمل بينما هي لازالت واقفة أمامه فخرجت بهرولة سرعان مانظر إليها بتحدي بعيونه السوداء فإذا تكلمنا عن وسامته قد لاينكر الأمر لشاب عمره ثمانية وعشرون سنة يلبس أحسن أنواع الأطقمة ويستخدم يده اليسرى بدل يمناها.

رجعت إلى المكتب والشرود واضح عليها وظل الصمت يرافقها لمدة فاقت الساعتين ونصف حتى قاطعها صوت رحاب: مابكي يافتاة تمسكين القلم وكأنكي متذمرة من شيء ما? فضلت التمسك بالصمت مجددا لكن ماكان يجول ببالها أجبرها على الكلام :أريد أن أسئلكي وجاوبيني

رحاب: طبعا تفضلي ولن أقصر في إجابتكي إن كان السؤال يناسب مخيلتي

نبض: أنتي أسبق مني هنا وأكثر خبرة واستنادا عليه أريد أن تخبريني مديرنا ماذا يحب وماذا يكره مالذي تعرفين عنه لاأريد تفاصيل عميقة لكن إن ذكرتي تفاصيلا فسأكون ممتنة .

قهقهت رحاب ولم تعرف نبض السبب ثم قالت: السيد إياد أشبه بعلبة مقدمة كهدية عندما تنظرين إليها تفرحين لكنكي تجهلين مابداخلها ومابين الأمرين أنتي حائرة فإن فتحتها ستجدين ماقد يثير إعجابكي و في الوقت نفسه بمجرد فتحها قد تكون قنبلة تنفجر في وجهكي

استسلمت نبض ثم سرعان ماقالت: سألت سؤالا واضحا كامراة لكنكي أجبتني كفيلسوفة حتى أنني لم أطق تلك المادة في دراستي فهل ضروري أن تذكريني بها الآن?

قبل نهاية وقت العمل بنصف ساعة ذهبت نبض لمكتبه مجددا لكن هذه المرة لم يكن الملف حجة لذلك بل أصرت على شيء آخر دخلت بكل جرأة ليلتفت إليها وبعد دقائق معدودة من تبادل النظرات نطقت: أعرف أنك منزعج نوعا ما وربما ليس هذه لا المكان ولا الزمان المناسبين لما سأقوله الآن لكن لم يعد بمقدوري التحمل أكثر فأنا انسانة صريحة لاأحب التكلف .

إياد: هل جئتي لتعطي وصفا لنفسكي هل تظنين أنكي ستشاركين بمسابقة جمال مثلا? مع أنني أشك بذلك لخصي وقولي مالديكي

استغربت كلماته لكن حرصه على الاستماع شجعها لترد بهذه العبارات: أنا معجبة بك منذ زمن طويل لاأدري متى بالضبط وكيف لكنني أعلم أن دقات قلبي تتسارع كلما التقيت بك, أرغب بوجودي معك كثيرا حتى أنني أريدك لي وحدي ولا أريد لأي فتاة أن تقترب منك وإن حصل ذلك يوما ما سأكون أشرس من نمر جائع وجد فريسته لاأعرف كيف يسمى هذا الشعور ربما غيرة وربما خوف لكنه يتملكني ولاأريدك أن ترتدي أفخم الثياب فأنت تثير إعجاب الموظفات وأولهم أنا لذلك يستحسن أن ترتدي ملابس عادية وابتعد عن اللون الأسود فهو يليق بك كثيرا البس البني فأغلب البنات يكرهن هذا اللون ربما كلامي فاجئك ولأختصر الطريق وأقول: هل تقبل باعترافي هذا وتدعني أتعرف عليك جيدا?

بين ثنايا الماضيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن