Part 1 || في المكتبة

4.6K 225 127
                                    

في فصل الشتاء
اخذتُ معطفي البُني و مظلّتي السوداء لاذهبَ الى مكاني المفضّل
قُرب سكن الجامعة .. هناك مكتبةٌ صغيرة في وسط الحرم الجامعي

اذهبُ اليها غالباً في وقتِ فراغي .. او في نهاية الاسبوع
كان الجو ممطراً و بارداً ، كما اُحب

كنتُ قد ادمنتُ على قراءةِ الكُتب حتى اصبحتُ اعيش فيها اكثر من واقعي

و خصوصاً بعد أنْ إنفصلتُ عن حبيبتي
وصلتُ الى المكتبة ، فتحتُ الباب ببطيء
كان المكان هادئاً بشكلٍ غير إعتيادي ، و فارغاً ايضاً

ألقيتُ التحية على أمينة المكتبة التي كنتُ اعتبرها صديقةً لي على الرغم من فارق السن بيننا
لكنّي الان اصبحتُ اُشكّكُ بكلّ شيء ، كطفلٍ ادركَ للتو أنّ بطله الخارق غير حقيقي

كنتُ قد قرأتُ سابقاً في الإنترنت عن كتابٍ يحكي روايةً عن إمرأةٍ اربعينيةٍ تُريد تغيير حياتها ، لذا لجأتْ الى طبيبٍ نفسي قام بمساعدتها لتتخلص من كآبتها و روتينها الممل
بحثتُ عن هذا الكتاب ، اردتُ أنْ اُغيّر حياتي ايضاً

غطستُ وسط الكُتب باحثاً عنه ، كالعادة كنتُ في عالمي الخاص ، حتى إصطدمتُ بأحدهم عن غير قصد

" آسف "

كنتُ اتجنّب التواصل بالأعين ؛ لذا كنتُ مطأطأ الرأس دائماً

" تباً عليكَ أنْ تنظر الى الاعلى حين تمشي ! "

إجتاحني فضولٌ لرؤية وجهه
رفعتُ عينيّ ببطئ لتلتقي مع عيناه الحمراوتان

نظرتُة كانتْ مُختلفةً عن نظرتي ، كانتْ تظهرُ فيها ملامح الثقة و التكبّر ، و كأنّ هناك حرباً كبيرةً داخلها
شعرتُ بالنقص و انا انظر اليه .. الى عينيه الحادّة

بعد ثوانٍ من الصمت تمتمَ قائلاً بينما كان مُغادراً

" تباً .. لا تعترض طريقي مجدداً "

تبعتُه بعينايَ بينما كان يسير
باحثاً عن كتابٍ مُعيّن

قررتُ اخيراً الذهاب الى أمينة المكتبة لكي اسألها عن مكان تواجد الكتاب
للاسف اخبرتني بأنه غير متوفر الآن لكنه سيتوفر بعد مده ربما اسبوع او اسبوعينِ
سمعتُ احدهم يخطو خلفي حتى اصبح قريباً منّي و قال

" المعذرة اين يمكنني إيجاد الكتاب *** ؟ "

صوته..
رفعتُ نظري لإجده نفس الفتى .. ذو الشعر الاشقر الشائك

كان يبحث عن الكتاب ذاتَه الذي كنتُ ابحثُ عنه ايضاً
و قد أجابتْه المسؤولة بنفس الجواب ليتنهّد و يذهب جالساً على إحدى الطاولات

شعرتُ برغبةٍ في الحديث معه
كان هناك جزءٌ منه يشبهني ، ربّما

جلستُ في طاولةٍ مِقابلةٍ لطاولتِه و اخرجتُ من حقيبتي كتاباً كنتُ قد وصلتُ الى منتصفهِ بالقراءة
قرأتُ بعض الاسطر لترتفع عينيّ مجدداً ناظراً إليه
حينها ادركتُ شيئاً

عيناه كانتْ فارغة .. كعينايَ تماماً
تساءلتُ ما اذا كان قد تعرّض لمواقف مُشابهة لما مررتُ بها
كنتُ قد سرحتُ في عينيهِ عن غير قصد حتى إنتبه إليّ و بدأ بالنظر لي و كأنه ينتظرني أنْ اتحدّث
تلعثمتُ و عدتُ الى القراءة محاولاً التركيز

بعد مدّةٍ من السير وسط شوارع لندن القديمة .. و الإستماع الى صوت قرع برج الساعة عند منتصف النهار ، عدتُ الى واقعي بسماعِ صوت الفتى الاشقر وهو يُغادر المكان
تبعتُه بنظراتي حتى خرج ..
كنتُ اتسائل عن سبب بحثه عن ذلك الكتاب
كنتُ ارغب بمعرفة ظروفه ، عائلته ، و كيف يعيش ..
أغلقتُ كتابي مُغادراً المكتبة

ودّعتُ المسؤولة ثمّ عدتُ الى غُرفتي في المسكن
جلستُ على مكتبي امام الشُبّاك مُتأمّلاً قطراتَ المطر المُتزحلقةِ على الزُجاج
كانتْ الغيوم تُغطي السماء كما لو كانت مظلّةً تحجبُ ضوء الشمس
كما كانتِْ النساء الفرنسيات تفعلنَ في القرن التاسع عشر

لدي إيمانٌ قوي بأنّ الغيوم تُمطر لحزن احدٍ ما ، على هذه الارض
لكن مَن هو يا ترى..

يُتبع-

The cancer || TodoBakuحيث تعيش القصص. اكتشف الآن