الفصلُ الخامس

454 22 64
                                    

أشرقَ فجرُ يومٌ جديد، تُطل الشمسُ بأشعتها مُتحاربةً مع سد السُحب المنيع، تعطر اليوم ببعضٍ من النسمات الخريفية الباردة...
.

كجثةٍ هامدة يقبعُ جسده المسترخي على السرير، كجنديٍ إحتوى نفسه مختبئاً من قنابل ماضيه أسفل الوسائد، تنطلقُ أنغامٌ مُتلاحقة تخترقُ عالمه الآمن مُقِظةً إياه..
.

تحرك قليلاً، رفع رأسه، كانت علاماتُ الإنزعاج طاغيةً على ملامحه، أطفئ المنبه بيدٍ خاملة، توجه لغسلِ وجهه، حاول إرتداء وجهٍ يليقُ بهذا اليوم المشرق، حاول!.. ولكنه فشل..
.

بدل ملابسه إلى أخرى قاتمة، وكأنه يرتدي الحداد حُزناً متعالياً على أمالٍ حملها نسيمُ هذا الصباح، صعد سيارته بعد أن أغلق منزله جيداً..
.

مرت دقائق من القيادة، حضر بجسدٍ مجوفٍ من روحه، قلبٌ أعلن العصيان، عينان إصطبغتا بلونِ الدماءِ المُراقة..
.

مُتعكِر المزاج.. أقلُ ما يُقال عنه حينَ يُرى، وضع حقيبته على طاولةِ مكتبه، جلس على المقعد، بدأ بإنهاء عمله المتروك، أطنانٌ من الورق، ورسائلُ مزخرفةٌ متزينة، كعادته ألقاها في هاويتها..
.

ساعةٌ .. ساعتين .. ثلاث .. لا يزال يتحرك هنا وهناك، حضر ملقياً بمحاضرته في قاعةٍ واحدة وبقيت إثنتان لهذا اليوم، يحاربُ الأوراق المتناثرة على مكتبه.. بحوثاتٌ، تقارير..
.

مضت ساعاتُ الراحه وهو لا يزال عالقاً في عالمِ عمله، كان حطامُ جسده يحاربُ ليبقى واقفاً، كنحلةٍ طنانة تنتقلُ جامعةً معها رحيقُ أزهارِ الربيع..
كد وكد حتى إنتهى من بقايا عمله المتكاثرة، كان النهار على مشارفِ الوداع، تقدمَ مُلتقطاً حقيبته مُتوجهاً نحو الخروج..
.

يقودُ سيارته بين الشوارع في تشتت، لم يعلم بنفسه حينَ توقف في ذلك المكان، حيثُ شعرَ بحضن الوطن فيه، أطفأ المحرك، سارَ مُبتعداً عن سيارته، جلسَ القرفصاء ناظراً إلى غروبِ السماء..
.

نسماتٌ هادئه داعبت خصلات شعره مُبعثرة، شعرَ بروحه تتنفس، بدأ وجع قلبه يلتئم قليلاً وكأن المكان دواءٌ فعال..
.

شعرَ بأحدِهم يقتربُ، خطواتٌ بطيئة، نظر للخلف ببطء، نفسُ الفتاة إقتربت منه، جلست بجانه، نظرت إلى السماء بعمق، بدت نظراتها غارقةٌ في تفاصيل الشفق، أما عنه فقد كان يفكر كيف أتت إلى هذا المكان..
.

سؤال واحد يدور في باله، من تكون هذه الفتاة الصغيرة، كان يتأملُها بدلاً من السماء، ترتدي فستان ذا لونٍ أزرق ملكي، شعرُها الأسود المنسدل يغطي ظهرها، نظرت إليه بينما كان مشغولاً بتأمُلها..
إبتسمت بدفئ نحوه، كانت بيضاء، ملامحها بسيطةٌ هادئة، تمتلك بعض النمش الخفيف الذي يغطي سطح أنفها الصغير، عينان واسعتان رمادية، ملامُحها مائلةٌ للاصل العربي.. سألها بفراغٍ يملئ عقله..
.

| حينَ يختفي الشفق | { مُكتَمِلة } ✔حيث تعيش القصص. اكتشف الآن