4- غُــراب

87 14 22
                                    


فراشةٌ يافعة .. نشيطةٌ مشاكسة .. لأزهارها مغازلة .. في مروجها الواسعة .. كُنتُ ذاتَ مرة

دخلَ حديقتي غُراب ..إقتربَ من زهوري على مرئً مني ..

أخذَ يَمسحُ على وجنة أزهاري بتلابيبب أجنحتهِ الأبنوسية..
بأبتسامةٍ رقيقة ،أحنى رأسهُ ليستنشق عَبيرها ..

حَولَ نظرهُ للسماء ليُسبح البارئ ..أغمضَ عينه ثم تَمتمَ ببعضِ الكلمات ..

تصرفهُ أثارَ الدهشةَ في نفسي ! أنى لمثلهِ أن يلتمسَ الجمال؟ راقبتهُ بهدوءٍ راضية ..

أدار َوجههُ إليَّ بنظرةٍ مُمتنة .. فأومأتُ له مُبتسمة ..

غادرَ جَنتي بهدوء ..تاركاً إياي أُبحر في فضاء تفكيري ..غُرابٌ يُحِبُ الجمال ! غُرابٌ يختلف عن باقي الأَغربة..

غُرابٌ مُرهف الشعور حساس ..زَرع في نفسي الدَعَة وأبعد الوسواس ..

لن أمنعهُ من دخول حديقتي ألبته ..فكلُ جميلٌ يستحق ان ينال الجمال .. حتى وإن كان غير مألوف الطبع والحال..

مرتْ الأيام ..تَبِعتها الشهور ..تَلتها السنين ..
وما زالَ ذلكَ الغُراب يَترددُ على حديقتي بهدوء ..

يُمتع ناظريه بجمال الخالق .. يَعبق بالروائح الطيبة .. يُسبح الذي خلقَ فأجاد .. ثم يغادر بعد أن يشكُرني بإيمائة ..

لم يُزعجُني بنعيقهِ حتى ..

ذاتَ يوم - وكالعادة - مَـرَّ بحديقتي وأكملَ طقوسه اليومية ..
لكنهُ لم يَخرج ! .. خَطَـوَاتهُ قادتهُ بأتجاهي ..

لم أذعُر .. ولم أُحلق بعيداً .. كذلك لم أتوتر من قُربهِ .. بل على العكس كُنتُ مُطمئنة ..سَميحةَ المَحيا .. ببساطة لأني وَثَـقتُ بـهِ ..

دنا بقُربي مُبتسماً ..إنحنى فارداً جَناحيهِ إحتراماً ..
رفعَ جناحهُ وطبطبَ على رأسي ..اغمضَ عينيه ..فأغمضتُ عينيَّ لأستشعرَ الراحةَ التي يَـشعر بها ..

أخذت ريشة جناحهُ الناعمة تتجول على بشرة وجهي كُلها..
جَبهتي ..عَيناي ..أنفي ..شَفتاي ..ذَقني ..وَجنتاي ..ومن ثم جـَـناحــاي ..

مهلا ما هذا الشعور ؟! شعورٌ لم أعهدهُ من قبل !! أشعرُ إني سأقعُ من فرط عدم السيطره على نفسي ..

فَتحتُ عَيناي .. هذه المرة عيناهُ مُختلفتين ..كانَتا حادتين .. ماكرتين .. هازئتين

لم أستوعب ماذا الذي حَصل !! نظرتُ إليهِ مُدبراً ..

صُرعتُ من هولِ المنظر أمامي ..
سوائلٌ حمراء مسفوحةٌ على مروجيَّ الخضراء ..

جَريتُ ببطئ السحافاة وحَسِبتُ نفسي أعدو ..
الدماءُ تسيلُ منه .. يجب عليَّ أن أُنجْده ..

إنتهى بي الطريق لأرى تناثر أزهاري المُغتالة  ..

من جَزَرَ أزهاري ؟ من دمر فردوسي ؟
إتجهتُ بهستيرية لأضمَ الأزهارَ إلى قلبي وأواسيها ..
علها تُسامحني ..

لا عليَّ أن أُسعفَ الغُرابَ أولاً ..

جَريتُ خَلفهُ مُنادية .. إنتظر لحظة ..أَجْب ندائي .. أستَحلِفُكَ بالأيام التي عشتها في رَبيعي..

دَعني أُداوي جُرحُكَ النازف ..
إقتربتُ منهُ مذعورة - لم أعُد قادرة على حَمل نفسي وأنفاسي تقطعت  -

الـ ..الد ..الدماءُ تُغطي جناحاك - تكلمتُ بصعوبه - لا تقلق سأُسعفك.
مَدَ جَناحيه نحوي.. ثم فتحهما لتقعَ عَيناي على جناحاي المذبوحان ..
كَسى عينايَّ غِشاءٌ ضَبابي .. بدأتُ أشعرُ بالأختناق ..
ثمَ ..
رَحَلَ و رَحَلت ;

فراشةٌ في الصحراء ..
بلا مأوىً ولا شرابٍ ولا غذاء ..
بلا أنيسٍ ولا رفيقٍ ولا أصدقاء ..
أُصارعُ لبقائي حَرارتها وأرضَها الجرداء ..
أسيرُ بغيرِ هدىً بينَ رمالها الحمراء ..
أُثبتُ في الرمال أقدامي لأقاومَ رياحها الهوجاء ..
أحضنُ نفسي خوفاً من لياليها الظلماء ..
أنظرُ الى سمائها عَلنيَّ أحظى ببعضِ قطراتِ الماء ..
فتَسخرُ مني غُيومها الكاذبة وتُطالعُني بإستعلاء ..
سرُ حياتي ألوانُ زهوري ..فأينَ أنا من هذا الشقاء !؟
أتذكرُ كيفَ كنتُ وكيفَ صرتُ فيالَني من غبيةٍ خَرقاء ..

منذُ متى وأنا على هذا الحال ؟
منذُ متى وذرات الرمال تلك تداعبُ أقدامي الحافية إحتراقاً ؟
منذُ متى فَقَدت حياتي ألوانها ليُطابق نَهارها ليلها لوناً ؟
منذُ متى وأنا أتبعُ وَهَـم تلكَ الغيوم سَراباً ؟

آه لقد تَذكرت ،منذُ أن دخلَ حياتي .. غُراب .

 غُراب

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.
خواطر بآنامل فضيه حيث تعيش القصص. اكتشف الآن