الجزء الثاني.

1 0 0
                                    

في هذه اللحظة تذكّر "جاد" أن الحبر إذا جف قد لا يعود إلى زمنِه ثانيةً. "إعذريني آنستي، عليّ العودة للداخل لأجل حالة طارئة، وداعاً" قالها بإضطراب شديد وركض مسرعاً. أخذت تنظر إليه بإستغراب، ما غريب الأطوار هذا؟ ، إبتسمت بسخرية وقررت أن لا تهتم، لكن أوقفها شيء مُلقى على الأرض وكأن الجار نسي شيئاً ما. -
-

دخل جاد إلى المنزل وأخذ يتفحص مافي جيبه فَلم يجد القلم، بحث عنه في كل مكان، على الأريكة والمنضدة والمكتبة، كان يرتعِش من شدة إضطرابه، فقد مرت ساعتان على وجوده في هذا الزمن. ضَرب رأسه بكِلتا يديه وأخذ يتذكر أين وضع القلم، تذكّر أنه كان بالخارج منذ قليل فرُبما أسقطه، ركض بإتجاه الباب وأمسك المِقبض وفتحه، لكنه إصطدم بجارتِه، إستقبلته بإبتسامتها ومدت مابيدِها إليه وقالت "لقد سقط منك".
كان ما إلتقطته هو القلم فَحاول أخذه منها لكنها كانت تعبث معه فتتناقله من يد إلى أُخرى بِمرح ثم قالت "أخبِرني ماهو إسمك وسوف أعطيك إياه".
إلتقط أنفاسه بغضب وقال "جاد، والآن أعطيني هذا القلم".
ضحكت ومدته إليه بِرقة وقالت "مارلا". أخذ القلم منها بِسرعة وأسند أحد الكتب على ركبتيه ثم كتب "2018" وإنبعث وميض من الأرقام ثم قال وهو مغمضاً عينيه "مارلا.. ياله من إسم جميل". نظَرت إليه بتعجب وهي ضامةً أصابعها فوق صدرها .. فجأة.. تغير كل شيء حولها.
فتح "جاد" عينيه فَرأى "مارلا" واقفةً أمامه ويُطوق عنقها رجلاً بدا عليه من ملابسه وكأنه مديراً لشركة مرموقة.
قال الرجل بكل هدوء "كنت أنتظرك منذ ساعة وها قد أتيت، أعطِني القلم وإلا شققت عنقها". تراجع "جاد" إلى الخلف وإرتطم بمكتبه، خطرت بباله فكرة قد يدفع ثمنها لكنه لم يتردد، مد يده بِحذر وأخذ ورقة صغيرة كانت على مكتبه ثم كتب بسرعة "1978" .. تفاجأ الرجل من الوميض الخارج من الورقة والبخار الذي يحوطهم أغلق عينه من شدة البخار، فتح عينيه وإذا به يرى نفسه في أحد البيوت القديمة، أحس بشيء يضربه بشدة على وجهِه ومن ثم دفعه أرضاً. صاح جاد "مارلا هيّا بنا بسرعة" أمسك بيدها وخرج، كانا يركضان طيلة الوقت دون وِجهه، إستوقفه صوتها "جاد.. جاد". وقف قليلاً يلتقط أنفاسه ونظر إليها "ماذا؟".
"ماكُل هذا الذي حدث؟".
- "إن هذا القلم ليس إلا آلة زمن".
فتحت عينيها وفاهها بِشك لم تعرف ماذا كان يجب أن تقول، هل تصدقه ام لا؟ لكن بعد كل ما رأته لم يعد لها خيار آخر سوى التصديق وكفى.

-

"أنا من المستقبل".
تنهدَت بعمق وإبتسمت بعفوية ثم قالت "أنا أصدقك".
لمَس وجنتيها بِكل حنان وطبَع قُبلة على شفاهها وقال "أعتذر، أتمنى لو كُنا نستطيع قضاء وقتٍ أطول، لكن هذه إرادة القدر، أن لا نكون معاً متى ما أردنا" ثم أكمل سيره وإبتعد عنها، أخرج ورقته وكتب على الورقة "2018".
وقف بعيداً ينظر إليها نظرة الوداع الأخيرة، شعرَت وكأن قلبها أراد الخروج من صدرِها ليلحق بِه، علِمَت في ذلك الحين أنها وقعت بالحُب أخيراً، لكن مع من؟ مع من لا نصيب لها به.
كانت صامِته طوال الوقت، لم تتفوّه بِكلمة، إكتفت بالنظر إليه والغبار بدأ يُحيطه.
فكّرت قليلاً، لاشيء يُجبرها على البقاء، لا تُريد شيئاً طالما هو بِجانبها، ركضت بإتجاهِه وإلتفت على عنُقِه "خُذني معك أرجوك" إنطَلقت هذه الكلمات من فمِها بلا أي تردد.
فتحت عينيها ولم تجد نفسها في مكانها، تغيّر كل شيء مُجدداً، الشوارع لم تعد كما هِي، العربات تغيّرت أشكالها فبدت لها عصريّه أكثر من اللازم، المنازل من حولها تغيّرت، والمارّة تغيرت تصفيفات شعورهم وملابسهم وأحذيتهم.
كانوا يمسكون بهواتِف عصرية ليست كَالتي كانت تراها، فهذِه شاشات تُلمس بالإصبع دون الحاجة إلى أزرار، بدَت لها وكأن الجميع يحملها صغاراً وكِباراً، ومن جميع الطبقات، كل شيء كان مُثيراً للإهتمام. "إذاً هذا هو المُستقبل" قالتها بإندهاش.
-
إلتفتت خلفها فوَجدت "جاد" مُلقى على الأرض وغائِب عن الوعي.
صرخت بصوت عالي "يا إلهي ماذا أفعل، ساعدوني أرجوكم".
إلتفت الناس إليها، وإتصل أحدهم بالإسعاف، وبعد عشر دقائق وصل الإسعاف ونقَله.
إستيقظ "جاد" ورأى "مارلا" جالسةً بجانبه وممسكة يده بكلتا يديها.
شدّ على يدها وإبتسم وقال "لا تقلقي، أنا فقط إستنزفت طاقتي لأنني تجاوزت الحد المسموح بالتنقل".
ثم عاد ليغمض عينيه، ومالبِث أن أفاق من حُلمه الوردي بِفزع وقال "مارلا، أنتِ في عام 2018!!".
إبتسمت وقالت "وماذا في ذلك؟" ضرب يده برأسه وقال "هذا خطأ فادح، إن جف الحِبر ستعلقين هُنا للأبد". إبتسمت مرة أخرى ورددت "وماذا في ذلك؟"
نظر إليها وقال "أين القلم !!"
طمأنته وأخبرته أن القلم معها، فطلب منها أن تُعطيه إياه لكنها رفضت قائلة "أعلم أنك ستُعيدني لكنني أخذت قراري، سوف أبقى معك"
أثارت حِنقه كلماتها فصرخ بها قائلاً "أنتِ لا تفهمين، لن يسمح لك العالم بالبقاء في زمن ليس زمانك، ستتبخرين وكأنك ماكنتِ سوى عدماً".
إرتعشت أطرافها حين رأته غاضباً منها، أحنت رأسها للأسفل وقالت "لكنني إخترتك، ولو كنت سأتبخر، أنا..أُقدِمك..على..حياتي". ذرفَت من عينيها دموعاً رق لها قلبُه.

أكملت كلماتها "حين رأيتك أول مرة، شعرتُ بأنك قريب مني إلى حد كبير، لكنني تجاهلتُ هذا الشعور. في المرة الثانية أردت أن أستكشف شعوري نحوك، وأن أعلم لمَ كنت تراقبني، تقدمتُ نحوك بلا تردد، أنا التي لطالما ترددت، لم أتردد أن أخطو إتجاهك.." توقفت هنا وأجهشت بالبكاء ثم أكملت "كل ما أريده هو أن أكون معك". شعر بأن هذه المسؤولية ثقيلة عليه، أيّ مسؤولية حياة إنسان تُلقى على عاتِقك فجأة، بغض النظر عن مشاعرك إتجاهه، إما على أحدكما أن يتألم والآخر يختفي، وإما أن تتألما معاً لكنكما تبقون بعيدين عن بعضكما ولا أمل لكما من اللقاء.
"لقد قررت" قالها بإقتضاب وأكمل "سوف أعود معكِ إلى زمنك"
قالت بتهجم "لا.. لن أسمح لك بالسفر بعد الآن"
صمت لبرهة وأشاح نظرههُ عنها، ثم قال "لستِ أنتِ من يقرر"
قالت بعناد طفلة "لمَ لا!". أجابها بعصبية "أنظري إلى أين أوصلتِني" خرجت تلك الكلمات من فمه دون قصد فتلعثم قائلاً "لم أقصد أن.."
وضعت يديها على فاههُ قبل أن يكمل وقالت بِحزن "لا عليك، إنك على حق، لكنني أُفضل أن أعيش ساعات قليلة معك، على أن أعيش سنوات طويلة بدونك". أجابها "هكذا إذاً، لكِ هذا".
ودَت لو أنها تقف وتصرخ عالياً "أنا واقعة بالحُب!" لكنها إعتبرتهُ ضرباً من جنون السعادة التي وصلت إليها حينها، فإكتفت بالجلوس وقلبها يضرب بشدة، هذه المرة الثانية التي يدق قلبها لنفس الشخص. -
-
"حسناً علينا مغادرة المستشفى" قالها ونهض ثم أكمل "أعطِني القلم، سوف أذهب إلى الصيدلية المُجاورة لأشتري الدواء". أخرجت القلم من جيبها وأعطته إياه ثم قالت "اي دواء هذا؟".
أخبرها بأنه دواء قد وصفه الطبيب له، فصدقته وجلست تنتظر عودته.
عندما عاد أمسك بيدِها ومشيّا، كانت تمازحه طوال الوقت، أما هو فقد إكتفى بإبتسامة صفراء شاحبة.

الوقت قد تأخر والشوارع أصبحت خالية، نسمات الهواء الباردة تُربت على وجنتيهما بلُطف، يبدو أن هذا اليوم صعب على كِليهما.
توقّف ونظر بعينيها وإقترب منها "ألا تشعرين أن كُل ماحدث كان لسببٍ ما؟ ، وكأن الكون أرادنا أن نلتقي، أعني.. القلم، وذلك الرجل، أكانا عن محض صدفة أم عن تنظيم دقيق ومدروس؟". نظرت بعينيه مُحاولةً فهم ما قاله، فتحت فاهها لتتحدث فباغتها بحركة سريعة فَسد أنفها وفمها بِمنديل بِه مسحوق مُخدر، فغشيَت بين يديه.
نظر لها بعمق شديد، أبعد شعرها عن وجهها بِحنان وقال "سامحيني".

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Nov 27, 2018 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

سفر عبر القلم.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن