بريمافيرا

29K 944 234
                                    

أخطَأَ الخبّازُ بتغافَلِه عن إطفاءِ نارِ فَرنِه.
ما أدّى لحريقِ لندن العظيم.
وطالَت الحُروق أسوَارها الرومانِيّة وأوجَعَتْ.
ثمّ تلاطَمت الجروح في الغَرقِ وأخرى ارتَحلَتْ.

ختمَ البشرُ تعريفهم عن النور بكونِه الطريق الصالح وثمار الخَير، أمّا الجذور المُبطّنة وامتدادها الخَفي عن مَرآهم فتمثّلت بالشرّ، لكنّهم لم يَجدوا أيّ كلمات قد تطعن بنرجسيّةِ الرّماد، لأنّ الوقوعَ في حيرةِ الخطَأ والصواب هاوية لا قاع لها.

إنّه الرَّمادي الّذي وصفَه لنفسه.
حكايته لذاكرته الضائعة بين ذكراها وتحطيمها.
بين حَلكة ظلامه وخُلد انتقامه.
لكن نصَفهُ رماديَّة أفكاره، التي أخرجَته إِلى الفراغ في غرفةٍ مكثَ فيها الخمسْ.

****

عبثَت ورقة واحدة بحياته وحُجزَ بتقريرٍ يصرِّح أنّ اختلالًا يعتلي عقله ومرضٌ نفسيّ يشوّه جسده، ورقة خطَتها كلماتٌ من تدبيرِ امرأةٍ انتظرَها في سجنِهِ بهدوءٍ اعدادًا لعصفِها.

عصفَ حبُّه والذِّكريات، ولم يفهم حين تتلاعب فيه نُزوة عاطفته المسمومة بالصَّفحِ وفهمِ أمرِها رغمَ زجِّها له. جالَ ذهنه في الأمر كُلّما نظرَ لهطولِ المطر، ولم يشمَّ رائحتها حين تغسَل الأرض.

سمحَ للبردِ بالتغلغل مجزِعًا أعماقه، تخدُشه وهي مُستكينة في قلبِه، ولم يَنل من حربِه سوى انتصار الصقيع الضارب أوصاله وهو مُحتجزا بعيدًا ومُنعزلًا عن العالم.

في سنواتِه الأولى، تمكّنت المهدِّئات أن تكونَ ملجؤُه لسكراتِ النّعاس رغمَ صراع المقاومَة المُلتهبة في صدره، كانت تُطيّبَ له نومًا بعد حدث خيانة.
ولأنّني ظلّه، أصبح تعاطيه للكذوباتِ أخفّ وزنًا وتركَ لجسده الرّاحة من أناملهن الشيطانيّة في تخديره.

وأثر تركه لذلك، سنحَ فُرصةً لأعصابه بإضرامِ نارٍ على الطاقم الذي استحمل عبثهم بجسده طيلَة الوقت.

الكُره الذي يأكُل داخله يُعميه تارّة برغبةِ الموت، وجوع الانتقام.
وكُل ما تسلّى عليه في ليالي المَصحّة، هُو ريق الأطبّاء ورجفة أجساد الممرّضات بعد رُعبٍ يعشنه لِمن يلمسه.

روتينه المُمل أخضعه لزاوِية انفراديّة لا يأتي صوبها أحد. أفرغ فيها لَكم الجدران حتى ما عادَ يشعر بيده وروحه.

وبقي السؤال يُبحر في جوفه، ما مبررّ أذيّتها ؟ وهو قد قَدَّمَ لها كل ما رغبته، لم الانتقام الذي لفظته شفتيها هو ما بدر منها اتجاهُه؟

ظللتُ أنقلُ أخبارها إِليه لأنّ سمومها لم تتوقّف عن حثّه بالتوقِ لرُؤيتها، لم يكفَّ عشقه لها من وراء جدرانُ الرَّمادية التي أبَتْ إجابته.

قَلب محرّمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن