ملاحظة: *ديقاج أو Dégage : هي كلمة فرنسية الأصل تعني إرحل.
تونس: سيدي بوزيد
16 ديسمبر 2010
السادسة إلا ربع صباحا.مازالت خيوط الفجر في محاولةٍ منها للتسلل من خلال شبابيك النائمين لتُعلِمَهُم ببداية اليوم الجديد، يوم خلّد الإنتفاضة الأولى التي أوقدت نيران الحرمان، الظلم القاهر و الجرأة المنعتقة.
انطلق يسابق النيام نحو ركنه المعتاد، ركن احتواه كما لم يفعل أحدٌ يوما!
مر بجانب الشوارع التي يقطعها يوميا للوصول إلى السوق: فاعترضته القطط السائبة المعتادة التي يتجاوزها خوفا من دهسها، استنشق رائحة "الفطائر المركزة بالعسل" التقليدية التي تبعث بنفسه الجائعة لذة لم يتذوقها يوما! يسلم بصدرٍ رحب على الفاتحين دكاكينهم أو المالكين عرباتٍ مجرورة -كحاله- بعباراتٍ نطقتها أعينه الزيتونية قبل لسانه.
لم يستوعب عقله البسيط ما جرى بعد! فكل ما حدث لم يستغرق سوى بضع ثوانٍ متتالية: من اعتراضه من قبل عناصر الشرطة عندما كان يشق طريقه نحو السوق إلى محاولتهم مصادرةَ عربتهِ و باب رزقه الوحيد بحجتهم المعتادة عن الإنتصاب الفوضوي و احتكار أمكنة لهم غير مرخصة من البلدية.
لم يستطع إيقافهم عن حجز ما يملك من خضار و عربة، فهو مجرد مواطن لا حول له و لا قوة أمام أعوان الشرطة!
من حظه، أو ربما سوئه! كان عمه شاهدا على الحادثة فحاول منعهم بدوره وعندما فشل انطلق يسابق الريح نحو المأمور طالبا منه يد العون.
استجاب هذا الأخير لترجياتهِ وإلحاحهِ البائس ليأمر الشرطية (فادية حمدي) التي استوقفت (البوعزيزي) برفقة شرطيين آخرين بأن تدعه وشأنه.
الشرطية استجابت ولكنها استشاطت غضبا لاتصال عمّهِ بالمأمور. فقد اعتبرتها اهانة تجب ردها.الواحدة بعد منتصف النهار.
من نفس اليوم.لم يستوعب حاله البسيط بعد ما جرى معه صباحا، فهذه لم تكن المرة الأولى لمداهمة الشرطة الباعة المتجولين أو الخضّارينَ مثله، لكنها المرة الأولى التي يستشعر بها فضاعة الحادثة و قبح الحقيقة مِن خلال الرعب الذي تمكن من أوصاله و جعلَ من نبضاتِ قلبه الخفقانَ بجنون.
استطاعت فكرة واحدة أن تحجزه بسجنها و تأسره في شباكها؛ لم كم هي مؤلمة لوعة الفقر.
ففي بلاده صار الفقر عيبا يكاد يكون محرما! فلطالما كان المحتاج عالة مستضعفة تجب ابادتها! فبأي حق يعيش المسكين؟
أنت تقرأ
شُعلة ُالحريَّة
Short Storyكان كرياحٍ شتوية مرَّت نسماتهَا من بينِ قلوبهم المتأججة، لتعيدَ اشعال النَارِ الّتي خَمدتْ يومًا مِن خِلالِ رَمادهَا. فانبَثَقتْ مُجددًا كَطائِر العَنقاء بَعدَ موتِها؛ هي نيرَانُ الحريَّة الّتي كَان هو شُعلَتهَا.