ملاحظة: *ديقاج أو Dégage: كلمة أصلها فرنسية تعني إرحل.
و أيضا: [*] كلام محمد البوعزيزي الذي كتبه على حائطه على الفيسبوك قبل انتحاره و هو باللهجة التونسية.تونس: سيدي بوزيد
17 ديسمبر 2010يراقب هذا المبنى العريق دونَ ملامحَ تذكر، فقط بعض الحمرة التي كست وجهه الشاحب كأثرٍ لأصابعها النحيفةِ على خدّه النّدي.
يحاول البحث عن مشاعرٍ بقلبهِ الّذي أعلنَ موتَه منذ البارحة، ليجده باردا متكتلا كجبل جليد في قاع المحيط.حوّل مرأى بصَره نحو تلكَ الكَلِمات التي نقشت بالأحمر و العلم يرفرف فوقها. كلمات كانت كفيلة بتأجُج نار الحقد واليأس بروحهِ التي تآكلت بدورها و فُقدت بين أسوار قلبه.
مقر البلدية التي طُرد منها توًا كما توقع؛ إذ أن شكواه التي تقدَّم بها ضد الشرطية و زميلها وقع رفضها.
ما الّذي حدث لصوتِ الشعب؟شقت ابتسامة سُخرية طريقها نحو شفتيهِ الجافتين عندما لمح المأمور الذي طرده منذ قليل من مكتبه. و على حين غفلة، قد جحظت عيناه عندما لمحها وهي تبتسم إليه بانتصار.
إلا أنه لم يقم سوى بمبادلتها ابتسامتها بكلّ هدوء قابلته هي باستغراب واضح.فقد كانت الشرطية (فادية حمدي) تبلغ من العمر ثلاثة و خمسين سنة و مازالت عازبة. ابتدأت عملها بالشرطة في بداية سنة 2000 و هي الرابعة في أسرة من سبع أشقاء.
اكتسبت (فادية) طولا متوسطا و بشرة حنطية، و قد كانت محجبة. تمتلك حاجبين طويلين و عينان ضيقتان. ذات أنف مقعر و تجاعيد دقيقة بارزة في جبهتها و حول عينيها و ثغرها. كما أن وجهها، قد اكتسب شوائب لبثور قديمة.
لبِست قبعة الشرطة خاصتها، عدلت قميصها و تفقدت هراوتها ثم تقدمتْ منه بخطوات واسعة لتفهم مشكلة هذا الرجل. فما خطبه و هو يراقبها هكذا؟ لقد أزعجها هذا الهدوء المفاجئ الذي زرع بذور الشك بقلبها.
"ما المضحك أيها الرخيص ها؟ أراك تضحك على نفسك ربما؟"
و ختمت كلامها المهين بضحكة مستفزة، لكنه قابلها بهدوءٍ وجدتهُ مريبًا مجددًا."أوه، أترانا نلعبُ لعبةَ احزر ماذا؟"
ثم أنهت سؤالها بغمزة مقرفة ليقابلها بالصمت مجددا.ضحكت من جديد و أضافت: "حسنا. احزر ماذا يا متحاذق، نحن هنا لا نقبل أمثال الرجال مثلك..."
ثم بترت كلامها لتمسك وجهه بكفيها لتشيحه إلى الجهة اليمنى و تضيف: "لكن إن كنتَ تطلب صفعةً أخرى فلا مانعَ عندي"
و مجددًا، اكتفى هو بالصمت.بقيت تثرثر بكلمات مهينة و لم تتوقف. استغربت هدوؤه و زاد من شكها، لتجفل فجأة عند سماع اسمها من قبل المأمور الذي يطلب منها تفسيرا عن تحدثها معه.
فعادت هي أدراجها نحوه لتفسر له و ما لبثت أن تنطق بكلمة حتى صاح هو أخيرا و قرر الخروج عن صمته.
أنت تقرأ
شُعلة ُالحريَّة
Historia Cortaكان كرياحٍ شتوية مرَّت نسماتهَا من بينِ قلوبهم المتأججة، لتعيدَ اشعال النَارِ الّتي خَمدتْ يومًا مِن خِلالِ رَمادهَا. فانبَثَقتْ مُجددًا كَطائِر العَنقاء بَعدَ موتِها؛ هي نيرَانُ الحريَّة الّتي كَان هو شُعلَتهَا.