ماهية الزينة

7 0 0
                                    

         لقد إرتبط تاريخ الزينة بظهور الإنسان، و ذلك
لكون هذه الأخيرة فطرية فيه، وليست حديثة العهد
  كباقي الرغبات، غير أنها في عصرنا تلقى إهتماماً
كبيرا أو ربما ذلك ما نظنه، فمصادر أخرى تأكد على
عكس ذلك، كيف لا و الإسلام أمر بذلك مند 14 قرنا
و وضع تفصيلا للأمر يشمل الحكم والكيفية. فالإسلام
أكد على الزينة مصداقا لقوله تعالى"يا بني آدم خدوا
زينتكم عند كل مسجد" وهنا لا يعنى أن الزينة مرتبطة بالمساجد فقط بل وردت في القرآن الكريم كذلك نظرا
لمكانة المسجد اجتماعياً ودينيا فهو بيت الله عز و جل
دعانا إليه، فكيف لا نتزين وهو الجميل الذي خلق
الجمال، ولذلك فهو سبحانه وتعالى أحق بأن يرينا
كيفية التجمل. و هذا لا يعني أن الزينة مرتبطة
بالإسلام فقط، فقد كان لمن قبله نصيبهم منها و إن
إختلفت الغاية، و للمثال نذكر قارون إذ خرج على قومه
وقد بلغ في تزينه مبلغا عظيما حتى كاد القوم يفتنون
به لولا قوة إيمان بعضهم، حتى خسف الله عز و جل به
الأرض وقد إتخد زينته كبرياء، ولعل الكثير منا اليوم لا
يرى في التجمل إلا مرآ قارون، فأصبحت الملابس ومستحضرات التجميل تحمل أسماء ماركات عالمية
شهيرة ترقى بثمن اللباس إلى حيث يكاد يكون ماسا
أو أكثر فلم يعد الأمر يعتمد الجودة، و أصبحنا لانرى
إلا فخورا متكبرا إلا من شملت رحمة ربي.
      و الزينة ليست سوى إعتماد الإنسان على
مستحضرات طبيعية و أخرى صناعية بغية الرفع من
مستوى جماليته، كما تشمل الملبس وحلق الشعر
و التنظيف بطريقة تناسب شكل الشخص، وتختلف بين
هذا وذاك سواء من حيث الكيفية أو الاهتمام و هي لا
ترتبط سوى بالإنسان ذلك أن الكائنات الأخرى لا تملك
أي قدرة عقلية تخول لها هذه الأعمال وليست مهتمة بالجمال، فهمها الوحيد هو الماء و الغداء، كما أنها
مسخرة للإنسان كإمكانية تمكنه من قضاء حاجاته التي
من بينها الزينة، فيصنع من جلود بعضها لباسا و من
الأخرى مستحضرا آخر، وبذلك تكون زينة الإنسان على
حساب غيره من الكائنات.
      و لكن في عصرنا هذا فقد أصبحت الزينة مرتبطة
ببعض الحيوانات و إن كان الأمر ربما ﻻ يعني لها شيئا
مما يبتغى لدى الإنسان، ذلك انه هو من جعل يهتم
ببعض الحيوانات الأليفة فيربيها في بيته ويهتم بصحتها وجمالها، فأصبحت تشكل فرقا في حياته وربما طريقة
جديدة و مغايرة للزينة.
      إن أعيننا اليوم لاتفتأ ترى أناسا يتجولون رفقة
حيواناتهم التي غالبا ما تكون كلابا.و السؤال المطروح
هنا هو هل كل هذا تفضل من الإنسان ليراعي جمالية
غيره أم أن ذلك مجرد استغلال منه لتحقيق غاية ما؟         
      إن إعتماد المنطق في دراسة أحوال الناس يؤكد
على أن إجابة هذا السؤال تكمن في شقه الثاني، أي
أن كل ما قام به الإنسان تجاه هذه الكائنات هو مجرد
تلبية  لرغبة إنسانية فطرية تتمثل في جعل محيطه
يسايره في زينته، ذلك أن الفرد ﻻ يشعر بتزينه في
مكان يعاني الإهمال، وبالتالي ﻻيعكس له أي من جماله فيذهب كل جهده هباء منثورا، ولذلك أصبح يهتم بكل ما
يحيط به، و هنا  كانت الكلاب و القطط أكثر حظاً من
غيرها. و هكذا مع تعدد مظاهر الزينة التي تصب في
النهاية في المظهر الأساسي و هو ظهور الإنسان في
أحسن حلة، و من ثم يمكنا القول بأن الزينة تعني
استخدام مجموعة من المستحضرات و غيرها لتحقيق
هذا المظهر في الإنسان و هو أحد أهم أهدافه
الدنيوية، و بالتالي الزينة إذن من أكثر رغبات الإنسان
التي أصبحت عبارة عن حاجة يظل تحقيقها في غاية
الأهمية شأنها في ذلك شأن الحاجات البيولوجية،
و ذلك أنها أصبحت عند البعض أهم من الغذاء، فليس
كل المتزينين منا هم أعلى رتبة منا اجتماعياً ﻷن
هناك أشخاص يقدمون الرغبات على الحاجات
و الكماليات على الضروريات، لقد أصبحت الزينة جزء
مهما من حياتهم، و ﻷننا في دراسة لمنطق الزينة فلا
يمكننا الجزم أي الإثنين على صواب؛ من يعتبرونها رغبة
و ثانوية أم من يأخدونها على محمل الحاجات، ذلك أننا
إيزاء تحديد هذا المنطق، مما يستدعي دراسة الواقع المعيشي للإنسان حسب المكان و الزمان؛ في أوروبا
مثلا نلاحظ أشكالا متعددة من اللباس، فبين نصف
الساتر و بين الذي لا يواري شيئا من جسد الإنسان،
أما في بلاد المسلمين فالأمر مختلف قليلا و إن كان
مختلفا أكثر من قبل، ذلك أن بلادنا ماتزال تتميز ببعض الألبسة الساترة و القريبة منها، وكل هذا يؤدي إلى
أمر واحد هو أن مظاهر الزينة و أشكالها تختلف حسب
المكان و الزمان حيث الاختلاف واضح بيننا و غير
المسلمين وبيننا و الأجيال السابقة منا، ولكن إيزاء كل
هذا فإننا نجد أنفسنا في مشكلة تمنعنا من الوصول
إلى مبتغانا، فمع تعلق هذا المنطق بالوقت و المكان
يظل غير قابل للتحديد الدقيق كمنطق الرياضيات
و الفيزياء، و لكن هل الأمر حقا مستحيل؟ ربما لا،
ﻷننا إن استطعنا تحديد المتغيرات التي تجعل منطق
الزينة مختلف من مكان لآخر و زمان لآخر، و كيف تؤثر
هذه المتغيرات في إنشاء حالة طبيعية للزينة، فإننا
سنكون قادرين إثر ذلك على تحديده، و هنا يطرح
السؤال الآتي؛ ما هي المؤثرات التي تتحكم في
منطق الزينة؟



                                   

منطق الزينةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن