لقد إرتبط الإنسان ارتباطاً وثيقاً بالزينة شأن ذلك شأن الحاجات البيولوجية، و هنا تجدر الإشارة إلى الدور الذي
يلعبه الملبس لدى الإنسان و المتمثل في الوقاية من المؤثرات الطبيعية الخارجية و بالخصوص قساوة المناخ.
و ﻷن مركب الملابس هذا يغدو مزعجا في الفترات
الحارة فالمنطق هو أن يتم التخلي عن اللباس، لكن هنا
بالظبط تتدخل عوامل أخرى مرتبطة بالحياء و الدين
و الزينة لتغير من طبيعة هذا المنطق، أي أن الملابس
تتخذ وظائف أخرى غير الوظائف البيولوجية، و من تم
فإن اللباس هو عبارة عن رغبة يمكن تقسيمها إلى عدة
أنواع من ضمنها اثنين رئيسين؛ يتميز الأول بارتباطه
بالطبيعة البشرية، لكن هنا يطرح سؤال؛ لماذا لا تعتمد
الحيوانات أيضا على اللباس لحماية نفسها من المؤثرات
الخارجية؟ غير أن الجواب عن هذا السؤال يبدو واضحا
و ذلك نظرا للاختلاف الواضح بين الإنسان و غيره من
الكائنات الأخرى من حيث كساء الجلد و ﻷن الإنسان
اختاره الله تعالى في الأرض فقد كان أمره مختلفا
زيادة على تكريمه بالعقل الذي أدرك بواسطته طرقا
تمكنه من تجاوز النقص الذي يعتريه دون غيره من
الكائنات لصناعة لباس له اعتماداً على جلود الكائنات
الأخرى و صوفها مما يجعل الإنسان غير مكتمل في
هندامه دون لباس.
و أما الثاني فيتعلق بالثقافة الإنسانية حيث صار
اللباس يتخد مجموعة من الوظائف الثانوية كإبراز
المكانة الاجتماعية للشخص أو إثارته للجنس الآخر،
كما أن شكله يعبر عن أصل الشخص ودينه، فعندما
نرى شخصاً يرتدي جلبابا يرد إلى دهننا أنه مسلم
مغربي... و هكذا يتم الأمر.
و أما المستحضرات التجميلية الأخرى فقد يبدو
أمرها مختلفا عن اللباس من حيث يظن البعض أنها لا
تقي من أي مؤثرات خارجية، غير أن الواقع يؤكد عكس
ذلك فالكريمات التي تسخدمها النساء مثلا منها ما يقي
من أشعة الشمس، و إن كانت هذه الوقاية مرتبطة بحد
ذاتها بالزينة ﻻ غير و ذلك بناء على رغبة النساء في
الحفاظ أو بالأحرى زيادة نعومة البشرة، و بالتالي
فاستعمال هذه المستحضرات يشكل حاجة مرغوبة،
و ذلك لارتباط الحاجة بالأساس بما هو ضروري للحياة
أي الحاجات البيولوجية، أما أن تكون رغبة فذلك يعني
ثانويتها في الحياة و هو ما ليس متحققا، و لذلك فإن
صح قد سميناها حاجة مرغوبة أي بين الرغبة و الحاجة،
فلا انعدامها يمنع الحياة و ﻻ بدونها تستقيم.
و لكن إن كانت أدوات الزينة هذه تتهاوى بين الرغبة
و الحاجة من حيث وظائفها، فهل الزينة رغبة أم حاجة؟
ربما يبدو من المنطقي أن ما يعتمد على شيء هو من
أصله، فكما سلف الذكر إن اللباس يلعب وظيفتين
رئيستين غير أن التي تهمنا نحن هي تلك المرتبطة
بالزينة و نفس الأمر بالنسبة للمستحضرات التجميلية الأخرى، و كل هذه الوظائف تبدو عبارة عن رغبات يشكل إشباعها دافعا قويا مما يسري بنا لاعتبار الزينة عبارة عن
رغبة من الرغبات الإنسانية الناتجة عن الجانب الغريزي في الإنسان " الهو". و من الناحية الثقافية الاجتماعية فالزينة تأتي كتأثر بالثقافة الجمالية، ذلك من حيث كون الإنسان كائن حساس وراغب في تحسين حياته و نظافة أوساط عيشه.
إن الزينة تغدو رغبة في رأي البعض لكونها تقوم بدور ثانوي في حياة الإنسان و تحل بعد الضروريات البيولوجية، و في المقابل يمكن اعتبارها حاجة و ذلك لتأثيرها في الصحة النفسية، و كذا من الجانب الديني حيث أمرنا الله بها، و هذا يضعنا في صراع و ربما تكون الطريقة المثلى لتجاوزه هي محاولة التوفيق بين طرفي هذا الصراع أي أن الزينة تتشكل في ماهيتها من جانبين؛ الأول يجعل منها حاجة و الثاني يجعلها رغبة
أنت تقرأ
منطق الزينة
Non-Fictionلطالما تساءلت عن الجمال و كيفية تحقيقه أو بصيغة أخرى الزينة، ولطالما لاحظت فرقا بين أناس قد مر عليهم الدهر و آخرومن يعيشون اليوم.فأردت أن أشارك في الموضوع برأيي من خلال هذا الكتاب و هو بالمناسبة كتابي الأول. فيه سأتطرق إن شاء الله إلى محاولة شرح هذا...