كنت أصرخ بصوت مكتوم لا يسمعه أحد وسط أنات دموعي التي أبكت الأخصائي معي ، وقال لي : تعوذ بالله من الشيطان ، وهذا قدر الله وابتلاؤه ، ولا يبتلى إلا المؤمن .
أرجوكم لا تخرجوني من هنا حيّا ، أعطوني إبرة قاتلة الآن . الأنني لو خرجت حيًا سأموت آلاف المرات في عيون أحبتي . هل تعرف كيف سيعاملني الناس لو عرفوا . . أي نتيجة مؤلمة هذه . . . ؟ ارحمني يا ربي . . ارحمني يا ربي . . . ارحمني يا ربي . . وظللت أرددها حتى غبت عن الوعيأفقت . . . لا أعلم الزمن الذي استغرقته في رحلتي العالم اللاوعي . . ولا أعلم كيف قمت من مكاني . . غطيت وجهي بشماغي خوفاً من الموجودين وخوفاً من أن يتم إلقاء القبض علي ، ففي بدايات انتشار مرض الإيدز في السعودية كان مريض الإيدز يُعزل في مكان حتى يتوفاه الله » ، كانت ثقافة المجتمع السائدة ،
والتي لا تزال لدى بعض الناس ، إذ يرى الإيدز جريمة لا تغتفر و اعتقاداً منهم بأنها قد وقعت بسبب علاقة محرمة أو عن طريق تعاطي المخدرات ، وكلاهما يؤديان لنتيجة واحدة ؛ احتقار ودمار وعزلة وانهيار . . لقد دمرت حيائيا وبعد هذا العناء والحزن اتجهت إلى سيارتي وجسدي يرتعد من الخوف والبكاء ولا أدري كيف قدتها ! فالدنيا أظلمت في وجهي بعد أن كانت مضيئة . وأرى أعين الناس وأتخيلهم أنهم جميعاً يعرفون أني أصبت بذلك المرض . . وحتى أني بلا شعور رفعت يدي لأمسح جبيني خوفاً من أن يكون مكتوباً عليه « مريض إيدز » !قدت سيارتي هائماً في طرق الرياض المزدحمة وشوارعها المليئة بالحفر والمطبات . . لا أعلم كيف أقودها ولا أعلم إلى أين أسير . . كل ما كنت أراه من الرياض وجوه تعيسة سوداء ومباني موحشة مظلمة . . ودمعة تكدست في عيني . . واختزلت مدينتي الحبيبة في دمعة فاجعة وحزن كئيب وهم . . لا أعلم كيف وصلت إلى مكتب الدكتور عبد العزيز بجامعة الملك سعود بالدرعية والذي أحسبه صديقي قبل أن يكون طبيبي الذي أجرى لي أكثر من عملية في جسدي . وصلت إليه وأنا منهار نفسياً وأجهش بالبكاء ، ولا أدري كيف وصلت بسلام . . ؟ دخلت مكتبه وأنا أغطي وجهي من دون أن أنتظر إذن سكرتيره الذي كان يناديني : لو سمحت . . لو سمحت . . دخلت على الدكتور دون إذن ولا سابق موعد . . قلما رأى حالتي طلب من سكرتيره أن يخرج ويغلق الباب خلفه ، وعندما سألني عما بي . . اشتد ارتعاد مفاصلي ولم أقوَ على النطق . . فأخذ يهدئ من روعي . وأخيراً نطقت أول ثلاثة حروف ثم بكيت
أنت تقرأ
متعايش في الرياض
Romanceانا هنا انقل قصه لكتاب جميل بكل ما تعنيه الكلمة لـ عبدالله صايل مبارك بن علي الدعيلج نبذهة: لم أعد أدري هل أنا بين الأحياء أم الأموات ؟ هل سأموت قريباً دون أن أتزوج أو أصبح أباً ؟ هذا إن لم يتم القبض عليّ وعزلي وفضيحتي . . من أين الإصابة أي...