5

6 2 0
                                    


وبكيت ، ففهم أنه الإيدز ، فدمعت عيناه وقال لي لا تيأس من رحمة الله ، وهذاني وأخذ يذكرني بالله ، ثم طلب لي كوباً من الماء ، ولأول مرة في حياتي لا أجد الماء يروي عطشي . . هل بالفعل الماء لا يروي العطش أم أن همي كان أكبر من العطش ! وبعد أن أخبرته بكل ما حدث وبموعد زواجي أخذني لمحل كوفي شوب قريب من الجامعة ، فجلسنا نتحدث عن أمور كثيرة ، وبالرغم من أزمتي إلا أنني معه نسيت كل ما حل بي . . أو أني تظاهرت بالنسيان ؟ حقيقة لا أدري وبعد أن ودعته طلب مني أن ارتاح في المنزل وبعد العشاء أتصل به .

ذهبت إلى البيت دون أن يدري أحد عني شيئا ، ودخلت غرفتي ذات الأثاث الأبيض حيث كانت هي الوحيدة في منزلنا فيها أثاث أبيض ، ولا أدرك ما السر الذي جعلني أصر على أن يكون لونها أبيض ؟ هل كان بفعل مزاملتي غرف المستشفيات أم ماذا ؟ فقد أجرى لي الأطباء منذ طفولتي أكثر من خمس عشرة عملية هذا غير دخولي للمستشفى لإجراء عملية تتأجل بسبب عطل جهاز غرفة العمليات أو عدم وجود الطبيب أو الارتفاع في نسب الهيموجلوبين في دمي ، أو السكريات ! ولكني رأيت ذلك الأثاث الأبيض وقد صار سواداً فأغلقت بابي علي . يا الله بالأمس كانت هذه الغرفة وردية تتراكض فيها خيول الحب حاملة صورة نورتي واليوم باتت مقبرة لا أرى فيها إلا قبوراً تخرج ساكنيها حاملين لي اهما يتبعه هم . . لم أتمالك نفسي من سوداوية الجو المحيط بي

فأطلقت سراح دموعي وأخذت أجول عبر دهاليز ذاكرتي مستر جو ذكرياتي الحزينة التي مرت علي وأنا طفل صغير . . . قد تكون تلك الجولة الأليمة في دهاليز ذاكرتي هية من الله سبحانه لأنسى مرارة واقعي . فتذكرت وفاة أختي لؤلؤة في حادث سير أثناء ذهابنا إلى مزرعتنا في القرية التي تبعد 90 كيلومتراً عن مدينة الرس . . . وتذكرت ذلك الحزن الذي عم قريتنا وأنا في ربيعي الرابع عندما رأيت أمي تنتحب في منزلنا وهي جالسة في بطن الدار »

وقد جلست مستندة على مسند ذي ذراع أحمر ، وكان أمامها والقدوع ودلة رسلان ( دلة قديمة كان يقوم بتلميعها أناس رحل يتنقلون بخيمتهم بين القرى ، ويسمى الواحد منهم رباب ) وهي تتابع التلفاز الكبير الحجم ذي البابين وهي تردد : آه يا أبو بندر الله يرحمك يا أبو بندر ؟ وهي تستمع مذيع التلفاز يعلن بياناً من الديوان الملكي بوفاة صاحب الجلالة الملك خالد المعظم ملك المملكة العربية السعودية الذي وافاه الأجل إثر نوبة قلبية صباح يوم الأحد 21 شعبان 1402 هـ الموافق 13 يونيو 1982 م . أما والدي فقد جلس بالقرب من والدتي وهو يستند على مسند آخر وبيده فنجان كبير من القهوة وقد غرق في صمت ذي وقار وحزن عدا دمعات خجولة تنفر من عينيه بين الفينة والفينة . . خرجت لشارع قريتنا الترابي وأنا خائف ، ولا أدري من هو أبو بندر الذي يبكيه

( 1 ) القدوع : « وهو التمر المكنوز والموضوع في علبة تسمى مطبقة >

متعايش في الرياضحيث تعيش القصص. اكتشف الآن