صبيحة اليوم التالي
التفت حوله يتطلع الى البستان خلف البيت حيث أخبرته عالية بتواجد أمل منذ ساعة ......فقد غادرت البيت في جولتها الصباحية ومباشرة بعد تناول الفطور....
انها تشاكسه بتصرفاتها الخاصة ......تناغش قلبه وفكره .....فتلهب حواسه ....لو تعلم ان رؤيتها فقط تفعل الأعاجيب بداخله......وما يحصل بينهما حاليا يرفع درجة غليانه أقصاها ......ارأفِ بحالي أمل ....وافعلي بعدها ما تشائين
زفر أنفاس حارة تلسع داخله وبشدة ... ليعاود الالتفات مجددا في بحثه عنها ...عندما يكون خارج البيت تلتزم هي بالتواجد فيه وعندما يتواجد هو تهرب هي في جولاتها او تحتمي بظل شجرتها الخاصة
التفت مرة اخرى لا اثر لها ......اين ذهبت ؟.......يا ربي ....اين انت امل ؟
عندما تهادى الى اسماعه ترنيمة خاصة بشدو رقيق
انه صوتها
فتتبع الصوت الناعم برناته الشجية .....كمسحور تجذبه ترنيمة سحرية
ليلمح قامتها المنحنية تجمع الأزهار من حولها كعادتها
فتبدو كزهرة دوار الشمس بثوبها بلونه الأصفر يهفهف بطوله من حولها وقد تكوم شعرها الطويل في كعكة مشاكسة أعلى قمة رأسها كتاج اسود تخادعه خصلات متمردة لتنفلت من عقدتها فتداعب وجهها الذي لا يرى منه غير جانبه........بينما تتراقص حولها الأزهار بلونها الأصفر والبنفسجي كلوحة متحركة تنساب بنعومة مع نسمات هواء الصباح المنعش فيحملها على جناحين مرة يمينا وتارة شمالا ....
انه احتفال ربيعي خالص مع شدوهايبدو ان الطبيعة تتراقص ببهجة .....لبهجة امله
فهل له امل ان تكون له علاقة بفرحتها والابتسامة المتالقة على وجهها؟
ومع اقترابه سمع كلماتها الخاصة لأغنية لم يتذكر لحظتها لمن والذاكرة لا تسعفه التركيز على غيرها .....لكنه استمع بتلذذ يطالع سحرها وهي تغني بحالمية كأنها تناجيه الاقتراب ......وهو لم يتردد كعادته مؤخرا .....يستغل اي حجة للاقتراب في غفلة منها يسرق لمسة او همسة
بينما امل غافلة عن المتلصص الموهوب في اقترابه منها
تغني أغنية ليلى مراد أنا قلبي دليلي في مقطعها الأخير
"الدنيا جنينة واحنا ازهارها
فتحنا عينينا على همس طيورها
مين راح يقطفنا
مين راح يسعدنا
النار في قلوبنا لونها في خدودنا
شايفاه اه في خيالي
سامعاه اه بيقول لي "" احبك "
التفت امل مع وقع الكلمة على مسامعها بمفاجأة لتدهش من تواجده بهذا القرب
طالعته بخجل من تحديقه الحار الي وجهها ونظرات عيناه القاتمة بوهج خاص....لتتساءل بخفة ....تداري ارتعاشة تهزها تجاوبا لذبذبات نظراته
(عزيز ماذا تفعل ؟ .....ومن منذ متى و أنت هنا؟ )
مسح على ملامحها برقة بنظرات مرت بخفة ريشة فنان يحفظ التفاصيل الدقيقة ليستأثر بها في لحظات خاصة .....ليجيبها وهو يراقب بخفر خجلها اللذيذ
(منذ ناديتني )
نفت برقة تهز راسها فتهتز من حولها خصلاتها المتمردة تلامس وجهها ....فتستفز رغبته في لمسها لتطويعها خلف اذنها وهو يراقب حركتها الخاطف في ابعادها عن وجهها
(انا لم افعل )
ليعاندها بدوره...غامزا اياها بعينه بخفة
(حقا .....لكني سمعت صوتك يناديني تعال تعال حبيبي تعال .....فلبيت النداء فورا )
تهربت من وقاحته ولفظة التحبب منه تؤكد انه سمع أغنيتها كاملة ....فحاولت تحوير الكلام الى غير مقصده في جرها الى ما يريد هو سماعه ......لا يعلم انها اتخذت قرارها وتاجله ببهجة لرؤية وقع تهربها من إلحاحه عليه
(اممممممم .....لقذ ظننتك غادرت للعمل )
فقه الى محاولاتها تغيير الموضوع ....فرحم خجلها ....ليسايرها....
(لا لم اذهب لقد استغلت بما يكفي الأيام الأخيرة ......فأخذت عطلة)
فابتسمت لمعنى كلماته
(حسنا اعترف انك بدلت مجهودا مضاعفا)
فهم تلميحها المشاكس ....الى علاقة تواجده بتواجد وسيم بالبيت...ليقر باعتراف صريح
(طالما هو بالبيت سأظل انا ايضا ......الا ان ترأفِ بحالي......لن ارتاح الا عندما يعلم الجميع انك خطيبتي .....ويصبح اسمك ملازما لإسمي ......ويعلم الجميع ان قلبي ملك وحدك للأبد......فانا ملكك وانت ملكي)
لتنطق بخفوت وهامس يكاد لا يسمع الا ان خلاياه السمعية المتشوقة التقطته بقوة
(حسنٌ)
ليسائل بلهفة يخشى ان يكون بات يتوهم سماعها منها
(حسنٌ ماذا ؟)
هزت عيناها لتتلاقى النظرات فيصله الجواب بالإيجاب و أسوار نظراتها تفتح امامه بادراك
(انا موافقة )
لم يستطع منع نفسه عن نطق اسمها بلهفة دائبة يمنع نفسه جبرا عن خطف النعم من شفتيها ......يستشعر حلاوتها .....ليتمرغ في نعيم حرمان أضناه وبقوة
(امل )
صوتها خبا وعزيمتها وهنت لتنطق ما سعت بشدة ان يكون شرط قبولها
(لكن بشرط)
لم يأخذ بالا لكلمتها الأخيرة بينما كل ما يتردد في أذانه هي كلمة موافقة .....ليتساءل بارتعاش من وقع كلمة انتظرها بشوق
(أنت موافقة على طلبي.....تعنين انك تقبلين ان تكوني زوجتي ...امراتي .....حبيبتي ...وملكتي المتوجة )
فارتعشت لإرتعاش صوته بفرحة مفضوحة لعمق نبراته اللآسرة
(نعم)
نطقتها بخفوت ذاهل من المشاعر المتدفقة منه ......وكان كلمتها فجرت براكينه وباتت عيناه تقذف حمما لاهبة ......أذابتها معه
وفي غمرة انفعالهما ومشاعرها الطاغية بفرحة كبيرة .......سمع نداء مرتفع بصوت مفجوع
فتسابقت الأرواح والخطوات في سباق مع الزمن ....وقد أجلت اللحظة إلى حين
.
.
.
.
من على شباك المطبخ بجوار موقد النار ..... تنتظر نضج الحساء بناءا على طلب والدتها لأخيها المدلل ...... شباك يطل مباشرة على البيت الصغير .....القابع على بعد خطوات قليلة من بيت المزرعة وحديقته الخاصة تحيط به كقيد من قوس قزح بأناقتها في الترتيب وألوانها المتباينة ........
لطالما كانت فضولية وتتطلع باستبداد لكل ما يثير استغرابها او إعجابها .......وتعترف انه ومنذ مجيئها أشياء كثيرة أثارت استغرابها وإعجابها في نفس الآن .......لقد أعجبت بتناسق الحديقة الصغيرة وترتيبها بفنية...
لتفاجأ بان علي قضى وقتا طويلا لأجلها في سبيل تحقيق حلم كريمة ببيت صغير تحطيه حديقة صغيرة كما تفنن في زرعها تنفيذا لرغباتها ...حسب ما تبرعت عالية في الحديث عنه وهي تصف عمق الحب الذي يجمع الزوجين......
وهو ما أثار استغرابها .... فبشخصيته الهادئة والمتزنة لم يكن يبدو عليه سمات الرومانسية في التصرفات....لكن تفانيه الواضح في إظهار حبه لها......لكريمة....يؤكد العكس.....
تحب الورود والزهور وأشجار الليمون برائحتها الفواحة فزرعها لها واعتنى بها بحب وصبر ..........كما يعاملها في رايها بحب وصبر .......تحسدها عليه
وهل كان دام حبه لها لو لم يكن رجلا صبورا بحق ؟
منذ قدومها تعترف انه كرجل جذبها وبشدة بشخصيته الجذابة كنموذج للرجولة الخشنة التي تناقض كليا الهدوء والسكينة التي تنبعث منه نحو الجميع وخصوصا كريمة تلك المراة البسيطة.....هي الأخرى تبدو جميلة ببساطتها بمظهر القفطان الفضفاض وحجابها المحتشم يغطي راسها فلا يبدو منها غير وجه به طيبة وسماحة طبيعية .......
هزت رأسها بقوة تنفض عنها افكارها الخاصة .....ووسوساتها تصور لها خواطر اخرى .......انها لا تناسبه ......
ضعيفة جدااااااااا وتحتاج لرعاية دائمة ......رجل مثله يحتاج لإمراة قوية تقدر رجولته الفياضة تحت غطائه الهادىء بتكافىء وتمنحه الوريث الذي يحتاجه بدل فرصة على كف عفريت .......وعوض الخوف الذي يعيشه الجميع على حملها المتعب
كرجل..... علي ........يحتاج لامرأة مثلـ...........
عندما لمحته يسارع بخطواته لواثقة نحو البوابة الخارجية للبيت
.
.
.
اوقف سيارته البيك اب ليترجل منها صافقا بابها بحدة بدون انتباه.....يتوجه بخطواته الى البيت
وشعور بالتوجس بمجهول غير مرغوب يخنقه وبشدة....
شعور راوده منذ ايام لكنه اليوم ازداد بدرجة كبيرة وبدون سبب
عندما نهرته افكاره .....كيف ينعدم السبب وكريمة تنكمش على نفسها كل يوم اكثر .....تنوء عنه بحمل يرهقها ولا تقاسمه اياه لعله يحمله عنها فيريحها منه......
لكنها مهما اخفته يلمحه في شحوب وذبول وجهها ......اثر الدمع على طارف هدبها ......بنشيج مكتوم في كوابيسها .......ليضمها لصدره ليلا يبثها دعمه رغم جهله السبب
لكن خاطر اخر ينبئه ان حماته تعلم السبب ....وهو حرص اليوم على لقائها خلافا لمحاولات كريمة الأخيرة في إبعاده عن لقاء أمها وهو ما أكد شكوكه نحوها