,تشابكت الأفرع؛ ربما أكثر من المعتاد أو أن سلطان السواد غلفها بعتمته لتصبح أكثر إتحاداً مما هي عليه .
فقدت الأجسام النباتية الجامدة منظرها أو قدرتها علي لفت انتباه الناظر حيث تلفحت بوشاح اليل.
لم تكن الضجة الصاخبة لأفكاره تعني شيئاً للسكون المهيب. لفحات رياح باردة تضرب الأخشاب بعنف ،ولكن سرعان ما تهدأ ويعود نسيم ليلي عليل.
خرج حافي القدمين إلي عتبة باب كوخه.
وراح يطالع كيف أنارت الجنيات الفناء
وقد غلفت ثرثرتهن الأجواء بعد ان مللن الصمت.
قاوم رغبة إسكاتهن بشدة إذ في النهاية يستفيد من ضوئهن اليلي.في كبد الغابة المتشعبة يقبع كوخه الذي عفي عليه الزمن ،تخترق أوردة المياه الأراضي المغلفة بغطاء نباتي كئيب لتشعها بلونٍ زبرجدي مائل للزرقة
وشريان الحياة هو شلال مهيب يتدفق عنيفاً من محاجر الجبل زينت ضفافه أشجار صنوبر فارعة.
ونباتات عجيبة تخلب الألباب .خرجت بعض كائنات اليل من جحورها وسكنت تراقب فتاة سريعة الخطي قاصدة مكاناً ليس ببعيد
كانت تقصد الكوخ الخشبي القديم خشبه تحجر وإغمق لونه ودُثِر َ تحت عتمه الليل. سقفه مثلث وقد إنبثقت علي جانبيه أجمات نمت مهملة وتدلت من شجرته المهيبة أجراس فضية تلمع كالقمر. شجرة التفاح عنوانها، تأبي الذبول علي خلاف أخواتهاتعرف المخلوقات جيداً قيمة هذه الشجرة لصاحب الكوخ العجوز، فعشيرة الأقزام كانوا يقصون قصصاً فيما مضي حول أن الشجرة الجامدة تتكلم إلي صاحب الكوخ العجوز وتسقط له التفاح حين يأمرها تبقيه ناضجاً حتي في الشتاء.
كان الراوي رجلاً كريماً يحب إقتسام خيرها مع عشيرة الأقزام المساكين لأنهم شديدوا القبح فلا يجرؤ أحد علي الإقتراب منهم .
ظل العجوز يتأمل شجرته في حزن، لتحرك أحد أفرعها وتبدأ حديثها بصوتها الناعم الحنون. "ما سر حزنك يا سيدي ؟!" ..قلب عينيه حول السور الخشبي المشحوذة أعمدته ورد عليها بعد تنهيدة أسي طويله "لقد طال غيابها يا روح! أخشي أنها نستني ".
بنبرة طمأنينة رقيقة أجابت عليه
"لا تحزن إني أراها يوم في الرؤي وأسمع همسها الذي تحمله النسمات الرقيقة كي تُطَمئِنني أنها بخير وكذلك والدتها ...قطعاً هي لن تنسانا يا سيدي"إبتسم جانبياً وعلق بخفوت "مازال صوتكي دافئاً وكأنكي تذيبين به زهور الثلج يا روح! "
"شكراً علي مجاملتك يا راوي.... إني أيضاً إشتقت لرؤية وجهك تري كيف أصبح بعد مرور تلك السنين؟"
طأطأ رأسه ولم ينطق حرفاً . شكله قد إختلف عن سابق عهده إختلاف الليل والنهار ولم يعد الشاب المفعم بالحياة وروح الترحال.. الذي تزوج من إمرأة صهباء جميلة وجدها تائه في الغابة وكتب معها أجمل القصص........ بل صار عجوز الملامح. أحدب الظهر وواهن العظم وأشيب الرأس، ضجرت منه روح الترحال وتخلت عنه البهجة وأصبحت بنيته ضامرة، وذبلت عيناه وإندثرتا بين تجاعيده العميقة
ولم تعد زوجته علي. قيد الحياة بل إستحالت شجرة تفاح سحرية نمت بعيداً عن الأنظار في كبد غابة العجائب المختفية عن ا
كل المدن والقري......... تفاحها أحمر كما كان شعرها وخداها ومذاقها أحلي من العسلهو يحمد ربه علي تلك المعجزة لكن عيشه وحيداً دون رؤية وجوه بشرية يجعله تعيساً
فما من أحد يعيش معه لخدمته.
لكن أحياناً تأتي عشيرة ألاقزام للمساعدة مقابل أن يحكي لهم إحدي قصصه الجميلة التي يرويها بشغف داخل كوخه ذو المدفأةوأيضاً تحب.الجنيات قصصه فتأتي ليلاً لتترنم بعذوبة تجعل أوراق روح تتمايل مع اللحن في حبور وتضئ المكان ببريقها الاصفر المتألق.
ودوماً كن يفضلن قصة كيف سكنت (روح) شجرة التفاح النامية علي قبرها المزهر وكيف أنها أصبحت مؤنسة وحدته ومقصداً لكل الحيوانات الخائفة والجائعة
فقد ألفها بعناية وإستخدم فيها الكثير من الخيال
فلم تكن الجنيات يحظين بالكثير من المتعة إلا عند الإستماع لقصصه ."وجهي أصبح عجوزاً علي ما أعتقد يا روح هههه فليس لدي مرأة لأخبرك! "
صمتت الشجرة عن الحديث إشارة علي بعض الحزنيبقي جزؤه المفضل من حياته عندما تأتي إبنته لزيارته والجلوس معه ليحكي لها الحكايات أمام المدفأة .
صحيح أنها لم تكن إبنته حقاً لكن منذ نعومة أظفارها
تزور هذا الرجل الوحيد وتسمع قصصه الجميلةوفي هذا اليوم تحديداً تأتي الفتاة للزيارة
لكن الساعة منتصف الليل و الجمع في. القرية نيام
وهي لم تأتي بعد.حتي لمح الراوي ظلاً متراقصاً بين الأفق.قادماً بخطي متعثرة
وبإبتسامة عملاقة رفع الراوي العجوز يده محيياً
مضت ساعات علي الحديث الفتاة متكئة علي وسادة قديمة وأذانها صاغية العجوز القابع أمامها .
يعيد الحكايات القديمة بحماسة علي أسماعها.
أطلت الجنيات من خلف النوافذ والأقزام. البسطاء يتزاحمون علي الباب ليسمعوا حتي إنفتح الباب ووقعوا جميعاً متكدسينأطلقت الفتاة ضحكه عفوية وهمت في مساعدتهم علي الجلوس في أماكنهم بعد أن أذن الراوي .
(يتبع)
.
![](https://img.wattpad.com/cover/175528911-288-k866722.jpg)
أنت تقرأ
-تفاح كراميل -مجموعه قصصيه صغيرة
غير روائيقصصٌ قصيرةٌ يرويها الراوي العجوزُ فيِ عَقّلي. كَوّنها قلمي المُهترئ واستضافتها وريقاتي المطوية سراً. مع القليل من الجمال وحلاوة السرد؛ كونوا أفكاراً لا تحصي تنتظر من يقرأ بتمعن لأخذ المغزي ووضعَ الفكرة في كتابٍ أخرٍ حتّي تُصْبِحَ كُتُبْ العْالمِ مُن...