قصة -1-:أحذتني قدماي!

111 10 42
                                    

  
       يحكى أنه في زمن مضى ،كان هناك  شابا متمردا مغوارا  كالأسد في هيبته ،كل يحسب له ألف حساب - مغرور أحيانا - لكنه طيب القلب  ،يساعد الفقراء و يهوى اكتشاف المجهول .

قرر زيارة إحدى الغابات الكثيفة  - كعاداته- إما لأخذ صور فوتوغرافية أو اكتشاف أنواع جديدة من الأعشاب أو لدراسة الصخور و أحيانا يذهب لممارسة هوايته تسلق الجبال أو فقط يجلس على العشب و يسرح في خطط أحلامه.

   فاستعد ككل مرة للذهاب  ،وقرر إصطحاب خطيبته معه لأنها هي  من أصرت على ذهابها  و هي من اختارت المكان الذي سيذهبون إليه ،رغم أنه رفض الفكرة تماما لما فيها من خوفه على زوجته المستقبلية من أن تتأذى - فحبه لها يفوق التصورات و كيف لا و هي أول من قيدت قلبه - ، و لأنه لا يعرف تضاريس وجهتهم أو ما تخبأه طياتها ، لكن لا يستطيع أن يرد لها طلبا .

كانت وجهتهما إحدى الغابات الكثيفة و المظلمة ،مظلمة بسبب طول أشجارها الشاهق الذي يخبئ نور الشمس إلا من بعض خيوط تسللت عبر وريقاتها ،تفاجئ من المكان و تحمس لاكتشافه لكن الغريب كيف لفتاته باختيار مكان كهذا ألا تخاف و ترهب الظلمة كباقي الفتيات ...و لما سألها أجابت ببضع كلمات :
-و لما أخاف وأنت معي .
ثم ابتسمت و عم الصمت من جديد ،ابتسم حقا في داخله لكن قلبه لم  يطمئن لا يدري لما ،أحس أن الصمت غريب كأنه هدوء ما قبل العاصفة .

      بدآ بالتوغل في الغابة و كلما تعمق الشاب في الغابة زاد هياما بها ،سبحان الخالق في خلقه ،بدأ كعادته بوضع أغراضه و أخرج معداته و بدأ في عمله الذي يهواه و طبعا طلب من خطيبته ألا تبتعد عنه لأنه يعلم أنه إذا غاص في ما يهواه لن يلحظ وجودها حتى .... كل ما بدر منها أنها أومأت فقط .

هز رأسه لها امتنانا و بدأ يبحث ،يصور ،يجمع عينات و يتوغل في الغابة أكثر و أكثر ،فلما بدأت بطنه بإعلان الحرب عليه من جوعها تذكر خطيبته و قال بصوت مرتفع :
- عزيزتي لقد جعت، حضري لي الفطور من فضلك..

   انتظر لكن لم يأتيه رد ،استغرب و أدار رأسه باحثا عنها لكنه لم يجدها ،بدأ بالصراخ باسمها مرارا وتكرارا لكن لا مجيب ،بدأ بالبحث عنها بالعودة أدراجه إلى نقطة البداية لكن لا أثر ،جن جنونه و عاود الصراخ باسمها و هو يقول :
-أين أنت ،لماذا لم تبقي بقربي ،أين سأجدك الآن ..

و بدأت المخاوف تدب قلبه المحب عن أخطار ربما صادفتها ،لم تعد تحمله قدماه فهو يحس بأنه أضاع أمانة كانت برقبته فسقط أرضا و جلس على العشب واضعا يده على رأسه يفرك جبهته و يعدل من وضع شعره الذي سقط على عينيه بسبب قطرات المطر التي بدأت بالهطول  و هو يقول في سره :
-هذا ما ينقصني شتاء تعيق عني الرؤية زيادة على ذلك موعد الغروب قريب يجب أن أجدها .

و قرر إعادة البحث ،مشى و مشى و توغل حتى تعب و لم يجد شيئا فتلاشى أمل إيجادها و هنا كانت نقطة ضعفه، فبدأت لآلئ عينيه بالسقوط وهو يضرب الشجرة بكفه غير مبالي للدماء التي لونت جذع الشجرة كأنه ينتقم من نفسه عبر إيذائه لها ،لأنها سمحت بحصول هذه الكارثة فقدانه نبض قلبه .

    لملم بقايا نفسه الحزينة وعاد من حيث أتى لكي لا يفقد الأثر و يتيه في هذه الغابة فهو لا يدري إن كان بها  ذئاب أو دببة ،فأسرع الخطى عندما بدأ يتخيل خطيبته بين أنياب ذئب شره و هي تنادي باسمه لكنه لم يجب ،استغفر في نفسه ثم لاحت عيناه نحو الأرض فرأى وشاحها ساقطا ، فدب بصيص الأمل مجددا وجرى في اتجاه سقوط الوشاح  باحثا عنها إلى أن  وصل لمكان به كوخ خشبي  لم يتوقع إيجاد مثله في وسط غابة كهذه ،اتسعت عيناه عندما سمع صوت أنينها قادما من داخل الكوخ فأسرع الخطى نحوه ،لكنه توقف عندما سمع صوت رجولي بالداخل أيضا يقول :
-يا حلوة هل سيأتي حقا لإنقاذك ،لو يعلم أنك السبب فقط فيما سيصير له هل سيسامحك ؟!
ردت : الخطأ خطئي أنني صدقتك و كنت سألعب معك هذه اللعبة القذرة ..
-أصمتي .....
و صفعها .
  هنا لم يستطع الشاب السماع أكثر، احمرت عيناه و دخل كعاصفة ليدمر الأخضر و اليابس .

  لكنه حقيقة بهت و أخرس لسانه عندما وجدهما يجلسان على كنبة و يحتسيان الشاي ،فعلم أنها كانت مجرد تمثيلية و أنه وقع في الفخ .
هنا قال ونار الخديعة تفحم قلبه :
- أنت يا مخادعة لم فعلت بي هذا ،أهذا جزاء حبي و حناني و ثقتي بك ،قولي لما ؟!!!
ردت الفتاة في سخرية :
- ومن قال أنني بادلتك الشعور ،فقط كنت أمثل ليأتي هذا اليوم و ننتقم منك نحن نكرهك ،أرجوك لا تسأل عن السبب حتى أنا لا أعرف !!،ثم نظرت نحو الشاب الآخر و قالت :
- هو لك الآن ،عملت واجبي و أحضرته ،أكمل الخطة .
حملت حقيبتها و اتجهت مغادرة ،فامسكها بطلنا محكم كلتا قبضتيه على عنقها قائلا :
- موتي يا خائنة ....فهذا ما تستحقين .
    هنا هجم عليه الشاب الآخر بالسكين محاولا قتله فتفادى ضربته و جعل جسم الفتاة حاجزا فطعنت في قلبها ،فرماها شامتا ثم أمسك بالكرسي وضرب به الرجل الآخر فسقط سكينه و أصبح الكوخ حلبة مصارعة بين الرجلان الضخمان هذا لكمة و الآخر رفسة و هكذا حتى تمكن صاحبنا في اللحظة الأخيرة بتسديد لكمة نحو وجه الرجل الآخر فأسقطه أرضا ثم مسك السكين و طعنه ثم نظر نحوهما و خصيصا نحوها و قال :
- يا أسفاه .
ثم اتجه مغادرا الكوخ و الغابة بأكملهما .

  بعد أيام من الراحة النفسية و الجسمية ،ذهب نحو حكيم في القرية يحكي له حكايته فهو يعتبره قدوة له ،لما له من عقل حكيم و راجح فهو عمود القرية و حلال مشاكلها و ناصح أهلها - طبعا بما نص عليه الشارع الحكيم -.
فلما سمع الحكيم ما قال الفتى أجابه بعيون كلها حب :
- يا بني أولا الحمد لله على سلامتك ،ثانيا حكايتك غريبة و لكن على ما اعتقد و كما أعرفك يا فتى أنك شخص طيب و طاهر القلب و تساعد كل الناس و علاوة على ذلك مغامر و تهوى الحياة ،فكيف لا يكون لك حساد  أو أشخاص يكرهونك  ؟!!
تقبل الحقيقة يا بني ليس كل من في هذه الدنيا يحب للآخرين الخير فهناك من يتمنى زوال النعمة لهم و هو يضحك في وجههم و هناك من تصل بهم المواصيل إلى أن يقدموا على القتل حتى ،كما استنتجته في حالتك فارجع يا بني إلى المنزل و استرح و زاول ما كنت تفعله كما السابق انشر الخير لتعيش بخير ،فلولا أنك كنت تفعل ذلك من قبل لما حماك الله من عنده .
فشكر الفتى الحكيم وذهب من عنده وهو كله حيرة من وجود  أناس كالذين وصفهم الحكيم له في هذه الدنيا .

نصيحة :
لا تتمنى أبدا زوال نعمة لأخيك
بل قل يارب ارزقني مثلها أو خيرا منها .

سلام ❤️

مجموعة قصصية حيث تعيش القصص. اكتشف الآن