علم الكتابة وفنها

الجملة

حينما تجمع الكلمات بصورة تعبر عن معنى ، تتكون الجملة ، فهي تنشأ من كلمات .

وحيث أن للحرف دور في فصاحة الكلمة ، وأن صفات الكلمة الفصيحة لها دور في بلاغة الجملة ، فان الجملة البليغة تتسم بسمات الكلمة الفصيحة المتقدمة الذكر ، و نضيف اليها صفات أخرى تنشأ عن التركيب .

أما المحصلة هي : أن تركيب الجملة هو أساس صناعة الكتابة .

تركيب الجملة:

ان ابسط جملة تتكون من ركنين : أحدهما الموضوع الذي نتحدث عنه ، والثاني هو ما نتحدث به عن ذلك الموضوع . ومن هذين الركنين تنشأ كل أنواع الكتابة وضروبها .

ضروب الجملة وعلومها :

*معنى كلمة ضروب بضم الضاد هي الأنواع .

ان البحث في الجملة أدى الى النظر اليها من نواح مختلفة ، فاذا نظرنا اليها من ناحية شكل اللفظ ، ميزنا بين نوعين من الجمل حسب علاقة الركنين ببعضهما :

أولا: الجملة الأسمية .الجملة التي يكون الأسم ركنها الأول ، مثل : (الكاتب بليغ )

الكاتب : اسم ابتدء به الكلام ، وهو موضوع يتحدث عنه ، ولذلك تسمى الجملة باسمه وتنسب اليه .

بليغ : هو الوصف الذي نخبر به عن المبتدأ وهو الكاتب . وينوب عنه كل ما يعطي معناه في الاخبار عن الركن الأول (المبتدأ) .

من فروع هذا النوع : الجملة التي تبدأ بأحد الحروف المشبهة بالفعل : ان ،كأن ، لكن ، ليت ، لعل ...

ثانيا : الجملة الفعلية . هي التي يكون الفعل ركنها الأول ، نحو : (تكلم الفصيح )

تكلم : فعل بدئت به الجملة ، ووصف تحدث به عن الفصيح ، وقدم لأعتبارات معنوية ، باعتبار ان فعل الفصيح هو الأهم .

الفصيح : اسم اتم معنى الفعل ، فهو صاحبه ، وأصله ، ومنتسبه ، فالفعل منه واليه ينسب ، وينوب ما يؤديه .

من أشكال الجمل الفعلية : الجملة التي تبدأ بأحد الأفعال الناقصة : كان وأخواتها ، وما يعمل عملهن .

وقلما تقتصر الجملة -الاسمية او الفعلية على ركنيها ، بل تلحق بها مكملات ، كالمفاعيل ، شبه الجملة ، التوكيد ، البدل ، انواع الحروف ، و....

وقد يكون أحد الركنين جملة ، تسمى : الجملة الثانوية ، بينما الجملة من الركنين تسمى : الجملة الرئيسة . ومثال ذلك اذا قلت : الكتاب سهل أسلوبه .

فركنا الجملة الرئيسية هما : (الكاتب ) ، واحد الركنين وهو الخبر (سهل أسلوبه) عبارة عن جملة ثانوية .والجملة من هذه الناحية ،يبحث أحكامها علم النحو .

اذا نظر الى الجملة من ناحية الغرض الذي يؤتى بها من أجله ، فيكون من أنواعها : الجملة الخبرية ، وضروبها ، والجملة الأنشائية ، وأساليبها الطلبية وغير الطلبية . و يلاحظ في انواع الجمل الخبرية ، وأساليب الجمل الأنشائية طرقا في التعبير ، منها : الايجاز ، المساواة ، الاطناب ، الفصل ، الوصل ، القصر ، التقديم ، التأخير ، والجملة من هذه الناحية في علم المعاني .

ان الجملة في علم المعاني كالجملة في علم النحو ، تتكون من ركنين ومتممات . لكنهما هنا يسميان : مسندا اليه ، ومسندا ، وتسمى المتممات قيودا .

المسند اليه = وهو في الجمل الأسمية :المبتدأ او ما يقوم مقامه . و في الجمل الفعلية : الفاعل او ما يقوم مقامه .

ففي الجملتين المتقدمتين : الكاتب بليغ ، تكلم الفصيح ، الكاتب ، والفصيح ، هما المسند اليه ، اي ما ينسب اليه الخبر والفعل على الترتيب .

المسند = وهو ما يتحدث به عن المسند اليه ، وهو في الجملة الأسمية : الخبر ، أو ما يقوم مقامه . وفي الجملة الفعلية :هو الفعل ، او ما يقوم مقامه .

وفي الجملتين السابقتين هو بليغ ، تكلم ، لان البلاغة تنسب الى الكاتب وتستند اليه ، ولان الكلام نسب الى الفصيح واستند عليه ، اي يحصل الكلام بسببه ، اذ لا فعل بدون من يقوم به ، وهو الفاعل .

واذا قيل : تكلم الفصيح بكلام سهل .

فان حرف الباء والكلمتين (كلام سهل ) هي (متمم الجملة ) حسب تعبير علم النحو ، وهي القيد حسب تعبير علم المعاني .

اذا نظر للجملة من زاوية نوع الاسناد ، فأنه يلاحظ من أنواعها : الجملة الحقيقية و الجملة المجازية ، وهاتان الجملتان تدرسان في علم البيان.

علم البيان : هو تصوير للأنفعال وعناصره المعنوية ، بجمل تكون العلاقة بين ركنيها (المسند اليه ، والمسند ) ، علاقة تشبيهية ، او غير تشبيهية .

ومن صور العلاقة التشبيهية : التشبيه بكل انواعه ، والاستعارة بكل انواعها .

من صور العلاقة الغير تشبيهية : المجاز العقلي ،والمجاز المرسل ،والكناية .

المجاز العقلي يتجه الى اظهار المعنى وبيانه ، وهو يشبه المحسنات المعنوية ، من طباق ،وتورية، وتدريج ،وحسن تعليل ،وارصاد، ومراعاة نظير، ومبالغة ،واستطراد، واسلوب الحكيم ،والمدح بما يشبه الذم، والذم بما يشبه المدح ، و..

المجاز المرسل يتجه الى الالفاظ او يجرى بها ، ليبين المعنى ويظهر ، عن طريق التحسين اللفظي ، وهو بذلك يشبه المحسنات اللفظية ، من جناس ، وسجع ، و اقتباس ، وتضمين ، وتجاهل المعارف ،...

هذان النوعان من المحسنات يدرسان في علم من علوم البلاغة ، وهو علم البديع .

خلاصة القول : ان اهم العلوم التي تثيرها دراسة الجملة في صناعة الكتابة : علم النحو ، وما يسبقه من معرفة الصرف ،وعلم المعاني ، وعلم البيان ، وعلم البديع .