أخذتِ الشمسُ تحزمُ أمتعتها لتشرقَ في مكانٍ آخرَ ربما يقض الأرقَ مضاجع ساكنيه في اللحظة ، سرعانَ ماخفتت تغاريدُ الطيورِ التي كانت آخذةً في السير مع المشاةِ بطمأنينة ، كما لو كان طريقُ هجرتها هو منشأها ومدرستها. بانت النجماتِ أخاذةً خلف الشفق ذي اللون القاني المتداخلِ مع خيوط الأزرق الداكن . لم أستوعب أن كلَ هذا كانَ يحدثُ وأنا سابحةً في بحوري ، حتى همست لي مضيفتي بانَ الوقتَ قد أزف ، عاودتُ التجوالَ بعيني في ملامحها ، لا أعرفُ أيَ صدفةٍ قد تجمعنا مجددًا ولو بعدَ عشرينَ عامًا ، كنتُ ابتسم بينما أيقنُ أن في عينيها ثمةَ امتنانُ مشابه.
تفقدتُ المذكرةَ التي في حقيبتي ، كانَ وجودها بينَ يدي مرةَ أخرى أعظمُ من أيِ معجزةٍ قد تحدث في طريقي .عندَ بابِ المقهى مدت يديها ، صافحتني لتقولَ بصوتها الهادرِ الذي أعرفه
-"سعيدة جدًا بكلِ الذكرياتِ والوقتِ الذي قضيناه مًا، آنسة سكارليت كوني بأمان حتى نلتقي مجددًا"
افترقنا كانت تمشي بغبطة وكأنَ روحها الساكنةَ مالت إلى الصِبا فجأة ، سيرًا على الأقدامِ كنتُ أذرعُ طريقي خاويةً من أي فكرة ، مُنصرفةً بالتطلعِ إلى البدر الذي أخذ يرافقني مرددةً لحننا الألفَ ذاك ، متشبثةً بالمذكراتِ بينَ جنباتِ حقيبتي ، همست بقي على موعدِ المناوبة التالية ساعتين ،. لا أعلمُ لمَ لكن وجدتُ قدمايَ قادتاني حتى واجهةِ المسرح، كما لو كانَ لقاءُ اليوم أعادَ إلي الجزء الأكثرَ حياةً مني!.
تنفستُ بعمق وببعضِ الإجلال والتؤدة دفعتُ البابَ الفولاذيَ العتيق، تحسستُ الصدأ على المقبض شددتُ عليه برفق كما لو كنتُ أوثقُ كف روحي ، مرت ثوانٍ حتى أخذَ صريرهُ الذي يُشبهُ صوتَ الزمنِ يكتسحُ الصدى ، لم يكن هناك أي حاجةٍ للوقوفِ في طوابير أو دفعِ التذاكر ، لم يكن أي أحدٍ يتسللُ لهذا المكانِ عدا أولئكَ الذينَ قد عاشوا الثلاثَ عقودَ الماضية بكلِ الوعي والقوةِ المكنونةِ في قلوبهم.
الظلامُ يُخيمُ على ممراتِ المسرح تناولتُ الشمعة المُستقرةِ بينَ جنباتِ الشمعدان المُعلق على الجدار ، تنهدت لحسنِ الحظِ كنتُ أحمل قداحة. أشعلتُ الشمعة ، وببطئ كانَ يُسورُ روحي خطوتُ مقاومةً رائحةَ الرطوبةِ المختلطة بالغبار. حتى بانَ نورٌ طفيف همستُ متمتمةً "أخيرًا" ،صعدتُ السلالمَ مُتجاهلةً صريرَ الخشبِ ، حتى وصلتُ إلى آخرِطابق ، مُقابلَ المسرحِ تمامًا فوقَ المُرتفع. مكانُ الطبقاتِ المخمليةِ من قديم الزمان ، أما اليوم فهو مكانُ الشاردين. أخذتُ نفسًا عميقًا وأرخيتُ الشمعةَ على شمعدانٍ كانَ معلقًا على السور. استندتُ على حافته ،أغمضتُ عيني. حاولتُ بكلِ قوايَ إغماضَ عينيَ حتى بغيةَ فتحها في مكانٍ آخرَ يعنيني. أهٍ منكِ يا أجنحتي المُحطمة ، متى سأستطيعُ المسحَ عليكِ مجددًا و التحليق؟!.
أنت تقرأ
سوناتا الضياع
Historical Fictionمُسورةً باتقاد الذكريات أغني صوتَ الحربِ في لغتي وأروي صورةَ الحلمِ في لُبِ الحكايا أسدل ستار الحلم عن عينيكَ واتبعني لونُ السِلم فينا يسكن أطرافَ هذا الكون يجمعنا حين كان صوتكَ غارقٌ في أقصى الصمتِ -j.w